يا ليل العاشقين

قبل اللبناني ملحم بركات بألف سنة قال أبوالطيب المتنبي “واستقبلت قمر السماء بوجهها/ فأرتني القمرين في آن معا.” وبركات الذي خرج من رحم المدرسة الرحبانية وغادرها مطربا وملحنا صار ظاهرة موسيقية لا تشبه سواها.
أريحيته على المسرح لم ينقضها الطابع التشنجي لشخصيته، “تحتاج قيادة السيارة إلى قليل من الشد العصبي،” أخبرني الشرطي الذي رافقني من أجل أن يختبر قدرتي على السياقة.
يقول ملحم بركات “على بابي واقف قمرين واحد بالسما/ والثاني أغلى من العين بيفهم بالوما،”، ثم يضيف “يا قمرنا بالليالي نحنا العاشقين/ يا طالع بالعلالي خلينا سهرانين،” وحكاية فيروز مع القمر تُروى في فصول متعددة لذلك أُطلق عليها لقب “جارة القمر” بدءا من “يا قمر أنا وياك” وليس انتهاء بـ”بعدك على بالي يا قمر الحلوين” مرورا بـ”يا حلو يا حلو يا قمر،” يصف المصريون المرأة الجميلة بـ”قمر أربعتاشر”.
وتقول نجاة الصغيرة “قمري يا قمري يا حبيبي يا قمري/ اسأل على ليلي على ليلي وسهري.”
كتب نزار قباني قصيدته “خبز وحشيش وقمر” غاضبا متناسيا أنه كتب “كتبت أحبك فوق جدار القمر/ أحبك جدا كما لا أحبك يوما بشر.”
قال لي أحد الأصدقاء الرسامين كما لو أنه يفضي لي بسر “لا تصدق ما يُقال. لا أحد هبط على القمر. كلها صور مفبركة،” أجاب فاروق الباز وهو عالم فضاء يعمل في ناسا خلال لقاء تلفزيوني على معلومة من ذلك النوع ضاحكا. ولكن لمَ لا تستعمر دولة عظمى القمر كما فعلت بريطانيا بالهند وفرنسا بالجزائر؟ لأنه ما من شيء مفيد على سطح القمر. واقعيا القمر غير نافع.
وإذا كان أرسطو قد اعتقد أن القمر يسبب الجنون والصرع، فإن فائزة أحمد تقول “يمه القمر ع الباب نور قناديلو/ يمه أسد الباب ولا أناديلو،” أما محمود درويش فإنه لخص الموقف المرتاب من القمر بقوله “ربما القمر ليس جميلا إلا لأنه بعيد.”
بعد الخيبة التي أصيب بها الكثير من البشر حين كشفت رحلة أبولو إليه أنه لم يكن سوى حجارة لم يتخل القمر عن موقعه الرمزي في ليل العاشقين و”يا ليل العاشقين/ أهل الهوى مساكين/ عاتبين على الأيام والدمع مالي العين،” كما يقول جورج وسوف فتى الأغنية الذي اكتسب شهرة استثنائية في وقت مبكر من حياته.
وسوف الذي يغني هو الآخر بأعصابه أكسب الأغنية العربية المعاصرة مذاق صداقة تقع بين اليومي الواقعي والرومانسي الحالم. مثل ملحم بركات كان ولا يزال يغني كما لو أنه يرغب في إعادة صياغة الذائقة الجمالية لمستمعيه.