يا زمان الوصل
في الحب، كان هناك دائما طرف ثالث؛ طرف نسميه مجازا العاذل حين يكون سيء النوايا. ذلك هو الشخص الذي يسعى إلى إحباط المحبين.
"ألا يزال موجودا في عصرنا المكتظ بأنواع مختلفة من علاقات الحب السريع؟"، إن لم يكن موجودا فإن هناك خوفا لدى طرفي العلاقة من إمكانية ظهوره في أية لحظة. "وعذلت أهل الحب حتى ذقته/ فعجبت كيف يموت مَن لا يعشقُ" يقول أبو الطيب في واحدة من أشهر غزلياته.
والعذل في اللغة هو اللوم. غير أنه في المعنى الشعبي اللوم الذي ينطوي على الحسد المضجر والمزعج.
هناك أغنية لأم كلثوم بعنوان "العذول فايق ورايق" من ألحان زكريا أحمد، وهي تنطوي على فكرة انتصار العذل في المعركة. ذلك ما دفع محرم فؤاد إلى القول "والنبي لنكيد العذال" وكانت عايدة الشاعر ترقص وهي تغني "كايدة العذال أنا من يومي".
والعاذل شخص غير مرئي. الوهم يتخذ أحيانا هيئة الواشي المرتاب، وذلك ما عبر عنه ابن الفارض بقوله "ظن العذول بأن العذل يوقفني/ نام العذول وشوقي زائد نام"، هناك إحساس لدى العاشقين بأن طرفا ثالثا يراقبهما وهناك مكيدة تُحاك من أجل إفشال علاقتهما التي يحرصان على إخفاء أسرارها.
يود العاذل لو أنه أطلع على تفاصيل الصندوق الأسود الذي يضم تلك الأسرار. أما حين يفشل فإنه يكتفي بالشائعات. حرب خفية بين طرف بريء وآخر يلبس قناع الشيطان.
كان فريد الأطرش سعيدا وهو يغني "يا عواذل فلفلوا/ بقى قلي وقلتلو". ما الذي قاله العاشقان في خلوتهما؟ ربما شيوع أجهزة الإنصات والهواتف الذكية سيفسد الكثير من تلك السعادة.
و"لولا الملامة يا هوا لولا الملامة/ لافرش جناحي على الهوا زي اليمامة"، كما تقول وردة الجزائرية. و"أه م الملامة".
وإذا ما كانت وردة خائفة من اللوم، فإن ناظم الغزالي يقف أمامه متحديا، وهو يقول "خلي اليلوم يلوم/ قلبي يحبه/ شعليها بينا الناس/ كلمن بدربه".
شيء من العناد يحتاجه الحب لكي يقاوم نظرات العاذلين وألسن اللائمين. ولو لم يكن ذلك العناد لما كان هناك زمان وصل بالأندلس، حسب لسان الدين بن الخطيب "جادك الغيث إذا الغيث همى/ يا زمان الوصل بالأندلس".
