ياسين الشواطي يصور تأملات في الاغتراب والوحدة

الرباط - من الغربة وما تبعثه في أنفس المغتربين من شعور بالوحدة والضياع والحنين اقتبس الفنان التشكيلي المغربي – الإسباني ياسين الشواطي معرضه الجديد المنعقد في رواق “ضفاف” بالرباط، تحت عنوان “خريطة التنقل”.
يقدم هذا المعرض الذي ينظم بمبادرة من مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ويتواصل إلى غاية الثامن من فبراير المقبل، تأملات حول مواضيع الاغتراب، والتيه، والوحدة باعتماد عدة تقنيات مثل الرسم والطباعة الحجرية والطباعة الحريرية، ويحاول من خلاله الفنان ياسين الشواطي استكشاف الذاكرة والحزن المرتبطين بالاغتراب، وتحفيز المشاهدين على التفكير الجماعي.
وهذه التأملات في الغربة ليست وليدة الصدفة وإنما هي انعكاس فني واقعي لما يعيشه الفنان المغربي فهو مغترب في إسبانيا منذ سنوات، وألقت الغربة بثقلها على أفكاره وتجربته الإنسانية والفنية.
وأبرز الشواطي في تصريحات أن تصوره للاغتراب لا يقتصر فقط على سرد بسيط بخصوص الهجرة، بل يشكل استكشافا شخصيا واستنباطيا، مشيرا إلى أنه، ومن خلال فنه، يستكشف الاغتراب من منظور شخصي وأكثر حميمية.
ووصف الفنان أعماله بكونها “سيرة ذاتية عميقة”، يتأمل من خلالها في بعده عن وطنه الأم، مفصلا البنية السردية لمعرضه الذي يتضمن أربعة مشاريع رئيسية.
وفي هذا الصدد، أوضح أن سرده مترابط ومجزأ في الآن ذاته، مما يخلق فضاء يتيح للزوار الانخراط والمشاركة الفعالة في التجربة الفنية، منبها إلى أن عمله يهدف إلى أن يكون رمزيا وشاعريا ويدعو إلى التفكير في الهوية والذاكرة.
وقال الشواطي إن “خريطة التنقل أكثر من مجرد معرض، بل جسر بين ماضيّ وحاضري، وعودة مؤثرة إلى شواطئ طفولتي.”
وأوضحت مديرة قسم الفن والثقافة والاتصال بالمؤسسة فتيحة أملوك أن معرض “خريطة التنقل” الذي جرى افتتاحه بحضور السيد عمر عزيمان، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس المنتدب لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وثلة من الشخصيات من مختلف المشارب، يتناول مواضيع مرتبطة ارتباطا عميقا بالهجرة، وهو ما يعكس بشكل تام مهمة المؤسسة المتمثلة في تقديم أعمال المغاربة المقيمين بالخارج والترويج لها.
وأضافت أن منذ افتتاح رواق “ضفاف” في عام 2016، المخصص حصريا للفنانين المغاربة المقيمين في المهجر، استقبلت المؤسسة العديد من الفنانين ونظمت العديد من المعارض، مشيرة إلى أن “هذا الأمر يشكل طريقتنا في دعوتهم إلى مشاركة إبداعاتهم التي تعكس ارتباطهم بالمغرب، كما تتميز بتأثيرات البلدان التي عاشوا ودرسوا فيها.”
وبحسب السيدة أملوك، فإن هذا المعرض ليس مجرد حدث فني فحسب، بل أيضا احتفاء بالروابط العابرة للحدود واعتراف بالتعدد الثقافي للمغاربة المقيمين بالخارج، حيث يوفر منصة لهؤلاء الفنانين للتعبير عن جذورهم المغربية والتأثيرات العامة لمساراتهم.
وحسب المنظمين، فإن البحث الفني للفنان ياسين الشواطي يسعى إلى “زعزعة استقرار المتفرج وتحفيزه على التفكير الجماعي من خلال تقنيات يتم من خلالها إخفاء المعنى وعناصر السرد بالرسم والطباعة الحجرية (..) ويحاول استكشاف الذاكرة والحزن المرتبطين بالمنفى.”

ويحاول أن يستكشف الارتباك الكامن في اقتلاع الإنسان من جذوره، وتحرير المعاني الخفية عبر تجربة بصرية وحسية تزعج المشاهد وتصدمه وتدعوه إلى التفكير بشكل أعمق في ما هو غير مرئي وما لا يمكن وصفه.
وبحسب الفنان، فإن استكشافه للمنفى يتردد صداه في الأعمال الأدبية مثل أعمال جوزيف كونراد، مما يسلط الضوء على القلق والتشوهات السردية المرتبطة بهذه التجربة. وهو يقول “أسعى إلى تسجيل الوحدة والاغتراب في المنفى، مع الاعتراف بحدود اللغة في مواجهة شدة هذه التجارب وتعقيدها. لكن أسلوبي يتميز بطبيعته البصرية والحسية، حيث أسعى إلى ترجمة غير الملموس من خلال إخراج يزعزع استقرار المتفرج.”
يشار إلى أن الفنان الشواطي يقيم في إسبانيا، حصل على شهادة دكتوراه بتقدير دولي ومرتبة “كوم لود” في الفن والتراث، بالإضافة إلى ماستر في الفن المعاصر وإجازة في الفنون التشكيلية من كلية الفنون الجميلة بجامعة إشبيليا بإسبانيا.
وعرض الفنان المغربي – الإسباني أعماله في عدة دول مثل إسبانيا والسويد والمكسيك، وشارك في العديد من الإقامات الفنية، كما استفاد من برامج بحثية دولية ممولة في الدنمارك وفنلندا والبرازيل.
ويذكر أن رواق “ضفاف” افتتح في مارس 2016، وهو مخصص للفنانين والكتاب المغاربة المقيمين بالخارج. ومنذ افتتاحه، احتضن العديد من المعارض وعروض الكتب بهدف تعريف الجمهور المغربي بإبداعات أبناء الجالية وإشراكهم في الحياة الفنية والثقافية بوطنهم الأم.