يارا المصري: لا لزوم للترجمة إذا تدخل المترجم

القاهرة - تعد يارا المصري أحد أهم الوجوه في الترجمة من الصينية إلى العربية بما قدمته للمكتبة العربية من أعمال إبداعية مختلفة منها “العظام الراكضة” ( مجموعة قصصية، للكاتبة الصينية آشه)، ورواية “الفرار في عام 1934” للكاتب سوتونغ الحائز على جائزة البوكر الآسيوية عام 2009، كما قامت بترجمة مجموعة قصصية بعنوان “الرياح التي تهب إلى الشمال” للكاتبة الصينية بينغ، وغيرها من أعمال أدبية مثلت إطلالة مهمة على المدونة الصينية التي تعد من أقدم وأبرز الروافد الإبداعية العالمية.
ونظرا إلى تعدد إنتاجاتها في الترجمة باتت يارا المصري الأغزر إنتاجا من بين أبناء جيلها ما خولها أن تكون أول مترجمة تحصل على جائزة أخبار الأدب في مجال الترجمة، خاصة وأنها تترجم عن اللغة الأصعب عالميا والتي يندر أن نجد من يترجم منها.
الاهتمام بالصينية
عن ندرة مترجمي اللغة الصينية، وإن كانت ثمة مدرسة يتم اتباعها للترجمة من هذه اللغة الصعبة، تقول يارا المصري “لا أعتقد أن في الأمر ندرة، ربما يكون الوصف الأدق هو أن المترجمين عن الصينية عددهم قليل، قياسا بعدد المترجمين عن الإنكليزية مثلا، وهذا مرتبط في النهاية بتطورات العصر الحديث التي كانت أكثر ارتباطا بالغرب حيث تسود الإنكليزية والفرنسية والألمانية، ويسرني أن تكون هناك مدرسة يتم تأسيسها تحت عين الأكاديمي محسن فرجاني، لكن لا توجد مدرسة كذلك بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما اتجاه عام يشجع عليه ويرعاه الباحث فرجاني، وأساتذة كبار آخرون كالأكاديمي حسنين فهمي. فالترجمة عمل مستمر يقوم على التراكم، ثم نحن نواكب الجديد في الأدب الصيني، كما كان الذين سبقونا يواكبون ذلك أيضا، ومن المؤكد أن كل من ترجم سابقا عن اللغة الصينية أو عن أي لغة من لغات العالم، له دور لا يمكن إنكاره، ببساطة إنه تاريخ الترجمة في العالم العربي منذ المأمون وحتى اليوم”.
|
نسأل ضيفتنا عن مدى الاهتمام بنشر ترجمات الإبداع الصيني ونحن بصدد عام الثقافة المصرية الصينية، لتؤكد لنا في إجابتها على أن هناك اهتماما بنشر ترجمات الإبداع الصيني على الرغم من أنه ليس اهتماما كبيرا ونتائجه ليست مؤثرة، وهذا أمر طبيعي، في رأيها، إذ تشير إلى أنه لم يحدث أن اهتم أحد بالترجمات عن اللغة الصينية قبل فوز مويان بجائزة نوبل عام 2012، وعليه فلا يزال أمام المترجمين الكثير. أما عن عالم الثقافة المصرية الصينية، فتؤكد ضيفتنا أن هذا يأتي في باب لفت النظر إلى أهمية الترجمة عن هذه اللغة والتعرف على ثقافتها، وقد صدر لها كتاب “الرياح التي تهب إلى الشمال” للكاتبة الصينية بينغ يوان، وأنجزت خلاله أيضا ترجمة رواية “الذواقة” التي حصلت على جائزة أخبار الأدب، وبالنسبة إليها فإصدار كتاب أو حتى نص قصير مترجم عن اللغة الصينية يعد انتصارا لها سواء أكان في عام الثقافة المصرية الصينية أم في غيره، وسواء أكانت هي المترجمة أم كان أحدا من الأساتذة أو الزملاء أو الزميلات في الترجمة عن الصينية.
ولدت يارا المصري في بيت شاعر مصري له اسمه ومنجزه الإبداعي هو إبراهيم المصري، حيث أثر والدها الشاعر في نشأتها إذ كان المناخ الذي نشأت فيه دافعا ومحفزا لها على الاستمرار في الترجمة، وخاصة أنه كان ولا يزال يزودها دائما بالكتب المهمة ويساعدها على فهم الكثير من الأمور التي تخص اللغة العربية بل والترجمة أيضا.
وترى المصري أن الترجمة عملية ثقافية تقتضي الفهم والأمانة، ولا تعني هنا الأمانة في نقل المعنى حرفيا فحسب، وإن كان ناجحا في بعض الترجمات، بل الأمانة كذلك في فهم الثقافة والبحث والدراسة لتقديم العمل إلى القارئ، بينما يمكن للمترجم أن يتدخل في النص في ما يخص اللغة، وفي ما يخص فهمه للغته الأم وكيفية ترجمة العبارات والمفردات، بحيث لا تكون غريبة أو ركيكة، حتى لا يعرض عنها القارئ، ولكنها في المقابل لا ترى ضرورة لتدخل المترجم في ما يرد ضمن النص من إشارات ثقافية أو دينية أو سياسية أو غيرها، فهي شخصيا ترى أنه لا لزوم للترجمة إذا تدخل المترجم.
الإحاطة بعالمين
وعن راهن الترجمة من الصينية إلى العربية تعتقد المصري أن المشكلة في حركة الترجمة عن اللغة الصينية هي افتقارنا إلى مترجمين أكثر عددا، وعدم تحمس الكثيرين أيضا للترجمات عن هذه اللغة، وتعني هنا الناشرين والمؤسسات المسؤولة عن الترجمة، وكانت الملاحظة التي سمعتها كثيرا، لا بد أن يكون الكاتب مشهورا. وللأسف هنا تأتي المشكلة الأكبر أنه لا يوجد اطلاع بشكل كاف على الكتاب الصينيين الموجودين على الساحة العالمية، والذين تُرجمت معظم أعمالهم إلى اللغة الإنكليزية، فيرفض الناشر مشروعا ما لأنه يعتقد أن الكاتب ليس معروفا.
|
وتقر يارا المصري أنه رغم حق المترجم في حرية اختيار الأعمال التي يترجمها، وهذا أمر مهم جدا وخاصة في الترجمة الأدبية، فإن السوق كذلك تلعب دورا مهما في توجيهها وهذا أمر ضروري ولا يحدث فقط في العالم العربي.
وعن ذيوع الترجمة من الصينية إلى العربية والتي بدأت بعد حصول مويان على نوبل، تؤكد المصري على أن الترجمة عن اللغة الصينية مباشرة أو عن لغات وسيطة بدأت منذ فترة طويلة، ولكن وكما تعودنا لا نهتم بلغة ما إلا إذا فاز أحد كتابها بجائزة رفيعة. تقول “تاريخ الترجمة من الصينية إلى العربية ظل لفترة كبيرة حبيس الاتفاقات والمعاهدات الاقتصادية والتجارية”.
يمكن أن نلاحظ أخيرا تزايد الاهتمام بترجمة الأعمال الإبداعية الصينية، رغم أن الترجمة عن الصينية، في رأي ضيفتنا، بدأت مبكرا في العصر الحديث بترجمة كلاسيكيات من اللغة الصينية، ككتاب الطاو وغيره من الأدبيات ذات النزعة الدينية الفلسفية والصوفية.
ترجمتِ يارا المصري أغلب أجناس الأدب الصيني، من شعر ورواية وقصة، وبسؤالها كيف لمترجم أن يحافظ على تلك الخصوصية وأن يبعث روح النص الأصلي في ترجمته؟ تجيبنا “إنه على المترجم أن يتقن اللغتين المترجم منها والمترجم إليها، ويتملك القدرة على إدراك مغزى ومقاصد النص، حسبما يراهما الكاتب الأصلي، وذلك يكون بالبحث الدؤوب في خلفية النص الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حتى ولو كان الأمر متعلقا بمثل شعبي أو باسم أكلة من الأكلات، أو بوسيلة نقل بدائية، فالترجمة في الغالب هي إحاطة بعالمين مختلفين، من أجل بث النص الأصلي حيا في لغة ثانية دون مجافاة الأصل أو إساءة فهمه”.