"وولف هوند" دعاية سطحية وبطولات مبالغ فيها لطيار أعزل

لا شك أن قصص الحرب العالمية الثانية ما تزال مصدرا من مصادر كتاب السيناريو من أجل تقديم أفلام جديدة تتناول أحداثا وشخصيات جرت وقائعها إبان تلك الحقبة الدامية التي خسرت فيها البشرية ملايين القتلى ومثلهم من الجرحى والمعاقين.
لكن الأمر يتعلق دائما في مثل هذه الأفلام بوجهات النظر المختلفة، والتي غالبا ما تطغى على الأفلام الأميركية والغربية عموما في إظهار بشاعة النازيين وصور المقاومة الشعبية لهم وصولا إلى البطولات الفردية وإن بدت مبالغا فيها.
من هنا يأتي فيلم “وولف هوند” للمخرج مايكاتشيت، لينضاف إلى تلك السلسة من الأفلام، ولكنه في هذه المرة سوف يكرس البطولات الغربية أو بطولات الحلفاء من خلال سلاح الجو، لا سيما وأن الحلفاء سوف يفاجؤون بأن النازيين وخلال اجتياحهم لفرنسا وتقدمهم باتجاه بريطانيا قد استولوا على قواعد عسكرية ومطارات ومنها طائرات حربية أميركية وبريطانية، وأن تحلق في السماء على افتراض أنها طائرات تعود للحلفاء بينما يقودها الألمان بعدما استولوا عليها.

الفيلم ينحدر إلى نوع من الدعاية المباشرة للطيار اليهودي الذي يتحول إلى جندي خارق ضد النازيين
هذه الأرضية من الأحداث هي التي يبنى عليها هذا الفيلم من خلال اكتشاف الطيار ديفيد (الممثل جيمس ماسلاو) وزملائه في السرب الجوي وجود طائرات بريطانية صديقة، لكن الأمر ما يلبث أن ينقلب رأسا على عقب بعد إقدام الطائرات الصديقة على اتخاذ وضع قتالي مما سيؤدي إلى وقوع اشتباكات ومعارك جوية تنتهي بسقوط عدد من الطيارين بين قتلى واحتراق طائراتهم، أما الطيار ديفيد فسوف يسقط بالمظلة خلف خطوط النازيين.
لا شك أن أجواء الخوف والترقب التي هي غريزة بشرية والسعي إلى النجاة بالذات هي التي سوف تحرك ديفيد، لكنه رفقة ضابط آخر سيتم الكشف عن أنهما يهوديان، ولهذا يتفاقم غضب النازيين عليهما، وأما هما فحدث ولا حرج عن بطولاتهما وخاصة ديفيد الذي يتحول في رمشة عين إلى قاهر للنازيين.
ينحدر الفيلم إلى نوع من الدعاية المباشرة للطيار اليهودي وهو يلوّح بالقلادة التي تتدلى من رقبته وهي تحمل نجمة داوود السداسية، وأما صاحبه فسوف يقاد إلى تحقيق خاص وتعذيب منفرد لأنه يهودي، أما الضابط النازي فإنه يفسر سبب كرهه لهم لأنهم فعلوا بأسرته كذا وكذا.
واقعيا تحتاج قصص الحرب إلى أن تقدم لجمهورها دروسا وقصصا عميقة وإنسانية، وأما الوقوع في مطب الدعاية السطحية والأداء التمثيلي غير المقنع فهو الذي سقط فيه هذا الفيلم على الرغم من الإمكانات الإنتاجية التي توفرت له بل إنه بقي يترنح ويطيل في المشاهد إلى درجة الترهل وهو ما شخصه العديد من النقاد ومنهم الناقد تريين بويز في موقع موفي ريفيو إذ يذهب إلى أن من عيوب الفيلم ضعف الحبكة وانكشاف الصراع بشكل مباشر مما أضعف الدافع للترقب ضمن مسار الأحداث بالإضافة إلى الانحدار نحو اللامنطق من خلال إظهار جندي أميركي واحد هو ديفيد يواجه حشدا من النازيين ومن ثم يقوم بهزيمتهم بل إن الناقد يشير بطريقة غير مباشرة إلى حقيقة الأحداث في حد ذاتها وهل أنها تستند إلى وقائع حقيقية.
في المقابل سوف ينتقل بنا إلى غرف التحقيق وسف نشاهد أسرى الحلفاء وكيف يجري العامل معهم من طرف النازيين وذلك أمر معتاد في الحروب فلا توجد دولة تستقبل خصومها بالورود والأحضان ولن ننسى معتقل غوانتانامو وفظاعات سجن أبو غريب فالنهج يمر عليه زمن لكن الوقائع متشابهة بصرف النظر عن الانتماءات.
قصص الحرب تحتاج إلى أن تقدم لجمهورها دروسا وقصصا عميقة وإنسانية، أما الوقوع في مطب الدعاية السطحية والأداء التمثيلي غير المقنع فهو الذي سقط فيه هذا الفيلم
وأما إذا انتقلنا إلى تفاصيل أخرى ومنها المعارك الشخصية وطريقة الأداء والحوارات المرافقة فهي الأخرى لم تخل من الضعف المتوقع وبما في ذلك بقع الدم المزيفة التي تتلطخ بها الشخصيات وهي معطيات بسيطة قياسا لما هو أهم.
وإذا ذهبنا إلى حقبة ما بعد الحرب وذهاب ديفيد إلى منزل صديقه الذي قتل في إحدى المعارك وتسليم ما تركه من أشياء لزوجته، فنحن سنعود مباشرة إلى العديد من الأفلام الحربية الأخرى التي تستنسخ نفسها، وتقدم ذات المشهد الوداعي بلا الكثير من التعبير ولا الإضافة إلى البناء الدرامي.
وإن تحدثنا عن وحشية النازيين فهنالك الكثير مما يقال في هذا الباب، لكن الإشكالية تمثلت في ذلك الشكل التعبيري الذي وظفه المخرج لتقديم القصة السينمائية، فعلاوة على سعي الشخصية للنجاة، وهو كان كافيا بالنسبة إلى شخص أعزل ليس عنده إلا سكين وسلاح شخصي بل أكثر رجحانا وواقعية، أما الانتقال إلى ما هو أبعد من ذلك إلى خارقية استثنائية من جهة وشحذ تعاطف الجمهور بأن ذلك الطيار يجري انتهاكه وترويعه لأنه يحمل نجمة داوود في عنقه فتلك مقاربة أخرى لا علاقة لها بالمسار الواقعي للفيلم.
هنا ثمة إشكالية أخرى موازية تتعلق بالاستناد إلى الوقائع التاريخية وهو ما ألزم به الفيلم نفسه منذ البداية، وبذلك كان عليه المضي في ذلك التماهي مع الواقع سواء على صعيد السرد الفيلمي أو على مستوى دوافع الشخصيات وتاليا إقناعنا بحل ما يكون منطقيا ويتناسب مع قدرات الشخصية دون مبالغة وتهويل.