وهم ركود المسرح
ثمة حديث دائر عن ركود المسرح العربي، وهو مصطلح مُغلق يتم الترويج له من دون تحديد المقصود بالركود وشكل المسرح المعني به.
يبدو الركود حالة متوهمة، فإذا كان المقصود به المسرح التجاري أو عروض التسلية على المسرح، فأظنها مستمرة وتنقلها الفضائيات الآن بكثرة لا يجوز معها استخدام مصطلح الركود.
وإذا كان المقصود تجارب المسرح الحقيقية المحترمة والجادة و(المسلية) كذلك، فإنها موجودة وبكثرة، إلا أنها لا تحظى باهتمام هذه الفضائيات، وهو سؤال يحتاج إلى إجابة وبحث.
الكثير من الفضائيات مملوكة لرجال أعمال، لا يتعاملون معها باعتبارها مشروعًا استثماريًا، وإنما كأداة لتعزيز استثماراتهم ووجودهم، وبالتالي لا يضرهم إن اهتموا بنقل عروض المسرح الجادة، والترويج لها، وخلق حالة عامة من الاهتمام بها بين الناس، خاصة وأن بعض هذه العروض حققت نجاحًا جماهيريًا مشجعًا للغاية عند عرضها على خشبات المسرح.
المهتمون يعرفون أن عروض ورشة مركز الإبداع في دار الأوبرا المصرية -مثلًا- يحتشد الجمهور أمامها منتظرًا دوره، وتذاكرها تُحجز مقدّمًا لشدة الإقبال عليها، كذلك عروض المسرح القومي -على كلاسيكيتها وتكرارها للمستهلك من الأفكار- وغيرها من تجارب مسرح حيّ نابض في الأقاليم لا تعدم جمهورًا ومتفرجين ومهتمين.
مشكلتنا أننا نُصرّ على تكرار الكلام نفسه عن الركود والتراجع، ومشكلة عدم وجود نصوص، أو عدم وجود تمويل، أو غياب الجمهور، وهي مشكلات -ربما- كانت حقيقيّة في وقت ما، بينما يمكننا تسخير هذه الطاقة في التعريف بالتجارب الجادة التي تعمل رغم كل الظروف، ونقلها للناس عبر الفضائيات من خلال رعاية وشراكات مع من يرغب من رجال الأعمال، وبذل الجهد لتحريك الانطباع السلبي الذي صنعه الإعلام بتراجع المسرح وضعف إقبال الناس على الفنّ الجيد، وغير ذلك من صناعات إعلامية زائفة تخدم فقط صُنّاع الفن الهابط ومسرح التسالي، أم أن هذا هو المطلوب؟
إلى جوار مسارح الدولة ومسارح الفرق الخاصة المتحققة في العاصمة، هناك تجارب مسرحية في الأقاليم والمدن الصغيرة وفرق الهواة تفوق في مستواها الفني ما تنقله لنا الفضائيات من “تسالي المسرح” التي بدأت تنتشر وتسود بدعم الفضائيات، ثم بانسياق الدولة وراء هذا النجاح المصنوع وتكريم المستفيدين من هذا المسرح الهابط وترسيخ حضورهم كرموز للفن!
لا تخلو تجارب مسارح الهواة ومسارح الأقاليم من خفة وطرافة وتسلية، لكن من ينقلها إلى الناس، مثلما حدث مع تجارب التهريج، لتتغير هذه الفكرة السلبية عن المسرح؟ لا أحد يفعل.
ما يزيد الأمر سوءًا هو عدم قناعة الكثيرين من المعنيين بالمسرح بفكرة نقله كمادة تلفزيونية، معتقدين أن لا مسرح خارج الخشبة، متجاهلين تطورات العصر وتغير الثقافة، وهم بذلك يتركون المجال مفتوحًا، لا أقول للمسرح الهابط، إنما -على الأقل- لنوع واحد من المسرح لا يهتم سوى بجمع المال وتحقيق الحضور على حساب كل شيء.
ما يفعله الحريصون على مسرح الخشبة عملٌ مهم، وما تصنعه الجوائز المخصصة لعروض المسرح كذلك أمر مهم، لكن ما يجب أن ننتبه إليه هو تجنب أن نحبس المسرح في عرض على الخشبة، أو أن يدور إبداعنا المسرحي على محور جائزة فقط؛ لأنه سيكون “مسرح تفصيل”، يتحول معه المبدعون إلى آلات تُفكّر وتكتب وتُنتج وتعمل من أجل دخول مسابقة -مهما بلغت موضوعيتها- فإنها تبقى مرهونة بتصور محدد عن هذا الفن، وتخاطب فئة بعينها من المجتمع، هل يُنتج هذه إبداعًا، وهل يسهم في تغيير المجتمع؟
المطلوب أن يعاد النظر من قبل المؤسسات المسؤولة لجعل الإبداع حالة عامة منتشرة في أوصال المجتمع وأن يجد شباب المبدعين فرصًا لطرح أفكارهم المسرحية وتنفيذها وعرضها على الناس ليحقق المسرح نموذج حالة التفكير، وليس موقف التسلية الذي نراه الآن.
شاعر من مصر مقيم في الإمارات