وهران.. شهرة متصاعدة في أوساط الهجرة السرية الأفريقية والعربية

الجزائر- تحولت مدينة وهران الجزائرية إلى وجهة مفضلة لقوافل الهجرة السرية من دول الشرق الأوسط وأفريقيا نحو السواحل الأوروبية، وهو تحول لافت في مسار الظاهرة والمدينة معا، يوحي بأن الهجرة غير النظامية ما فتئت تؤكد على أنها ظاهرة عابرة للحدود.
وذاعت منذ سنوات شهرة مدينة وهران كنقطة عبور لحوض المتوسط لدى أوساط شبكات الهجرة والحالمين ببلوغ السواحل الأوروبية، فصارت مقصدا لهؤلاء من رعايا دول الساحل والصحراء، ثم دول شرق أوسطية على غرار سوريا ولبنان وفلسطين واليمن.
◙ لا يستبعد أن تتزايد أعداد المهاجرين في المستقبل مع توسع شهرة مدينة وهران كقبلة لـ”الحرقة” في المنطقة
ولئن كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية هي سبب لجوء أعداد كبيرة من المهاجرين السرّيين إلى سواحل مدينة وهران، فإن الأزمات السياسية والحرب الأهلية في سوريا حوّلتاها إلى ملاذ لسوريين من مختلف المكونات العرقية والإثنية، حيث لم تُثن المسافة الطويلة هؤلاء عن محاولة بلوغها على أمل الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
وتبقى سواحل وهران، المدينة الجزائرية الثانية بعد الجزائر العاصمة، وجهة مفضلة لشبكات الهجرة السرية، لأسباب تتضارب بشأنها الآراء بين من يعزو ذلك إلى التقارب المغربي – الإسباني في الأشهر الأخيرة، الذي سمح بتكثيف جهود حكومتيْ البلديْن في محاربة الظاهرة مما أدى إلى ترجيح كفة وهران لدى المهتمين، وبين من يرجعه إلى فرضية التسهيلات ونفوذ اللوبيات التي لها صلة بإدارة المجال الأمني والبحري.
ويرى شهود عيان أن مهربي البشر يطورون باستمرار أساليبهم ويواكبون مختلف الآليات التي ترصدها السلط المختصة في المدينة لمحاربة الظاهرة، سواء من ناحية المسارات أو من جهة الإمكانيات اللوجستية، الأمر الذي حول المدينة إلى وجهة ذات شهرة واسعة تتعدى الامتدادات الجغرافية للقارة السمراء لتطال حدود دول عربية وآسيوية.
وتحوّل الوضع الإنساني والسياسي في سوريا وفلسطين إلى مصدر لبس لدى الجزائر صعّب عليها التمييز بين الفارين من جحيم الحرب الأهلية للاحتماء بها وبين من يستخدمون أراضيها كنقطة عبور إلى أوروبا.
ويرى الإعلامي والناشط الحقوقي سعيد بودور أن “صعوبة التحكم في الحدود البرية الجنوبية، وحتى الشرقية مع ليبيا، سمحت بتكثيف نشاط شبكات تهريب وتهجير البشر، وأن الطابع الإنساني للظاهرة تم استغلاله من طرف هؤلاء لتحقيق ثروات ضخمة، لاسيما وأن الرحلة من وهران إلى سواحل إسبانيا صارت تصنف بين ‘العادي’ و’الراقي’ وتتراوح كلفتها بين 3 و10 آلاف دولار، حسب نوعية المركب”.
ويبقى هؤلاء يشكلون أعدادا محدودة في إحصائيات الهجرة السرية عبر السواحل الجزائرية، لكنّ ذلك يظل اكتشافا أوليا للحالمين العرب ببلوغ شمال المتوسط، بعدما سُدّت في وجوهم المنافذ الأخرى، ولا يُستبعد أن تتزايد أعدادهم في المستقبل مع توسع شهرة مدينة وهران كقبلة لـ”الحرقة” في المنطقة.
ويُطلق وصف “السريع” في أدبيات شبكات الهجرة الناشطة في البلاد ومدينة وهران خصوصا، على القارب المتطور الذي بإمكانه توصيل زبائنه في ظرف ساعتين فقط، فضلا عن تأمين الرحلة من الملاحقات الأمنية، مما يؤشّر على اشتراك أكثر من طرف في هذا النشاط.
وعادة ما يقطع المهاجرون السرّيون القادمون من دول عربية نحو سواحل وهران الجزائرية مسافات طويلة وينفقون الكثير من الأموال، حيث تتداول عليهم شبكات هجرة ناشطة في الأقطار التي يمرون بها، وكثيرا ما يستغل هؤلاء الوضع الإنساني والسياسي في بلادهم كورقة لاستعطاف الدوائر الأمنية الجزائرية، لكن اللافت أن الملاذ الآمن الذي يَصْبُون إليه ليس في الجزائر بل في أوروبا.