ومن الجهل ما قتل

الاثنين 2016/07/25

الجهل ليس معناه عدم الإلمام بمبادئ القراءة والكتابة، فتلك الأمية تعد آفة البعض من الشعوب النامية وتجري الجهود حثيثة للتخلص منها، والتندر عليها يصل حد السخرية وإطلاق النكات والدعابة، وليس هذا بالطبع مقصدي.

ولكنني أقصد بالجهل انعدام الوعي الذي يهدم أسرة أو علاقة أو حتى يقوض مجتمعاً بأكمله وشتان ما بينهما، وتكمن خطورة الجهل في كونه لا يفصح عن نفسه صراحة، وربما يرتدي الجهل ثوب الحب ومن الحب ما قتل، فالكثير من الأحبة بل والأقارب يريدون أن يصلحوا البعض مما تفسده الخلافات فيزيدون هوة الخلافات ويعمقونها أكثر ليس بسبب كراهية أو رغبة في الإيذاء ولكن بسبب الجهل.

الكثير من الزوجات الشابات لا يضعن حداً فاصلاً بين حياتهن قبل الزواج وضرورة إطلاع الأم على كافة تفاصيل الحياة والاستئناس برأيها، والحياة الزوجية وما تقتضيه من قدسية وخصوصية لا يجب إطلاع أي مخلوق على تفاصيلها حتى لو كانت الأم أو الأخت الكبرى وبالأحرى الصديقات، لأنهن للأسف الشديد لا يقرأن المشهد كاملاً ومن جميع زواياه وبالتالي تكون أحكامهن مبتورة وعاطفية لا تستند إلى عقل أو منطق. والكثير من الأمهات خاصة العربيات تعودن على السلطة المطلقة على الأبناء، خاصة أن الأبناء بالوطن العربي لا يتركون منزل العائلة ويستقلون بمنازل خاصة كما يحدث بالغرب.

والكارثة تكمن في أن الأم تظل تمارس دورها السلطوي على أبنائها بعد زواجهم واستقلالهم بحياتهم الزوجية الخاصة، ويؤدي تدخل الأمهات السافر إلى حدوث العديد من المشكلات خاصة حين تفتقد الوعي والحنكة الكافيين للإصلاح فتصبح كالدبة التي تقتل أبناءها حباً. البعض من الأمهات عندهن من الوعي والنضج ما يستطعن به إنقاذ حياة الأبناء والعبور بهم إلى بر الأمان، فقد تلجأ الناضجات الواعيات إلى حيل مقبولة للإصلاح حتى أنهن في ساعات الغضب يكذبن بغرض الإصلاح والتوفيق بين أبنائهن وأزواجهن، والعكس تماما في حالة الجهل الذي يحول البعض إلى معاول هدم تخرب أي حياة حتى وإن كانت مستقرة وما يحدث بها لا يخرج عن كونه مشاجرات عادية، فتنفخ في النار حتى تزيدها اشتعالاً ويتطور الخلاف البسيط إلى حالة كارثية يشد كلا الطرفين خيطها حتى يمزقاه.

العجيب أنك حين تناقش تلك المرأة التي غالباً ما تكون أماً أو حماة لا تجد منطقا تستند إليه وإنما مجرد مشاعر هوجاء وحباً قاتلاً يفتقد لأبسط أساسيات العقل والمنطق، وهذا هو الجهل القاتل الذي يهدم أكثر مما يبني، فليست زوجة الابن غريمة للأم وعلى كل منهما أن تحارب الأخرى للفوز بالرجل، وما يقال عن زوجة الابن ينطبق على زوج الابنة التي هي في النهاية ابنة جديدة لتلك الأسرة وعليهم جميعاً التعامل معها بهذا المنطق وليس بمبدأ الحرب المتبادلة وضرورة نجاح طرف في مقابل هزيمة الآخر.

وما يحدث في إطار العائلة مبرراً بالحب والرغبة في الإصلاح لا ينطبق بالتأكيد على ما يحدث بين الأصدقاء من محاولات إصلاح تتزين بالخير وباطنها الشر والإفساد، زميلة عمل كانت على علاقة قوية بأسرة زميلتها وحدث خلاف عادي بين الزوجين ولأن الزوجة تبوح بأسرار بيتها لزميلتها التي تصرفت بعفوية فقد تدخلت لحل الخلاف ولكن بجهل وعدم وعي فباحت بأسرار علاقة كان يظنها الزوج من أسراره التي لا ينبغي لأحد أن يعبث بها، فبدلاً من مناقشة الخلاف في إطار الزوجين فقط أخذ منحى مختلفا وأصبح على الملأ ووصل الأمر إلى دفتر المأذون بسبب الجهل.

كاتبة من مصر

21