ولي عهد يعيش في بريطانيا ما أدراه بالليبيين؟

الأمير ليست لديه أي تجربة سياسية ولا يمكن مقارنته بأسلافه، وينظر إليه كشخصية غير جدية وبعيدة عن الأزمة الليبية، وهو ما يفقد ثقة الليبيين فيه.
الثلاثاء 2019/01/29
الأزمة أعمق من تغيير النظام السياسي

لم يكن عمر ولي عهد ليبيا محمد الرضا السنوسي سوى سبع سنوات، عندما قام العقيد الراحل معمر القذافي بالانقلاب على نظام الملك الراحل إدريس السنوسي. عقب الانقلاب بسنوات، وتحديدا في 1988 اختار الأمير، وهو ابن ابن عم الملك إدريس، بريطانيا كـ”منفى” اختياري له.

طيلة سنوات حكم القذافي لليبيا، التي تجاوزت الأربعة عقود، لم يفقد الأمير محمد الرضا الأمل في العودة إلى حكم ليبيا.

في أوائل تسعينات القرن الماضي أنفق الأمير السنوسي، وهو رجل أعمال أيضا، 100 ألف جنيه إسترليني لصالح جماعة الضغط في البرلمان البريطاني والعلاقات العامة لكي يرسّخ في أذهان العالم أنه ولي العهد الشرعي لليبيا.

وكان ينظّم الحفلات لهذا الغرض لأعضاء البرلمان، وخاطب اجتماعا ضم جميع الأحزاب في مجلس العموم. وكان ينظر لنفسه من منفاه في لندن كبديل محتمل للقذافي أو مظلة تنضوي تحتها المجموعات المعارضة للعقيد.

في بداية 2011، إبان أحداث الإطاحة بمعمر القذافي، رفع “الثوار” علم الاستقلال، الذي يرمز للعهد الملكي. لم تبد تلك الحركة مجرد لفتة نكاية في القذافي الذي انقلب على الملكية، أو عجزا من الثوار عن رفع علم بديل يمثلهم، بقدر ما عكست وجود مساع لإحياء الملكية. بعد الإطاحة بالنظام، سيطر الإسلاميون على المشهد، واختفت الشعارات المؤيدة للملكية، وبان أن ما رفع من شعارات كان مجرد محاولة لاستمالة مؤيدي الملكية والمتعاطفين مع الأمير المنفي.

اليوم، ومع تصاعد الاقتتال الذي بدأ منذ 2014 تغيّر المشهد، عادت معه الشعارات والتحركات لإعادة الملكية. في الحقيقة عادت تلك التحركات منذ 2016 مع بدء سيطرة القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر على بنغازي ونجاحه في انتزاع الموانئ النفطية.

والآن ومع بدء الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، تصاعد زخم الحديث عن الملكية. وفي أبريل 2018 عقد مؤتمر بعنوان “تفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية”، وهي الدعوة التي لقيت اهتماما واسعا بعد إعراب الأمير عن الاستعداد لتحمّل المسؤولية وخدمة الشعب إذا عبّر الشعب من خلال “وسائل وطرق الاختيار الحرّ النزيه”.

يرجّح كثيرون، أن يكون الإسلاميون وراء تلك المبادرة، فهم يرفضون إجراء الانتخابات تارة وتارة أخرى يطالبون بإجراء انتخابات برلمانية فقط، ما يعني خشيتهم من ترشح خصم لهم ينهي عبثهم بليبيا، وخاصة سيف الإسلام نجل القذافي والمشير حفتر.

ولكن رغم ذلك فإن كل المؤشرات تؤكد أن تلك المبادرات تبقى مجرد أحلام لمن يقفون وراءها، فولي العهد قد يكون يحظى بتعاطف الليبيين لكن ذلك لا يعني أن لديه شعبية تؤهله للعودة، خاصة وأنه ظل طيلة هذه العقود بعيدا عنهم، ويكتفي ببيان سنوي بمناسبة ذكرى الاستقلال أحيانا مصورا وفي أحيان أخرى مكتوبا فقط.

فالأمير ليست لديه أي تجربة سياسية ولا يمكن مقارنته بالملك إدريس أو ابنه الحسن الرضا أو جده أحمد السنوسي، وينظر إليه كشخصية غير جدية وبعيدة عن الأزمة الليبية، وهو ما يفقد ثقة الليبيين فيه.

في الحقيقة إن أزمة ليبيا ليست أزمة نظام سياسي بقدر ما هي أزمة ثقافة سياسية غابت بفعل التصحّر الفكري والتعليمي والسياسي المترتب عن عقود حكم القذافي التي اتسمت بالتعبئة الثورية في المناهج الدراسية، ما أخرج جيلا ينبذ الملكية.

بالإضافة إلى ذلك فإن للحسابات القبلية والجهوية وزنها في ليبيا، وأغلب القبائل ضد الملكية التي تحتاج إلى إجماع لعودتها. فالشرق الذي يعد المعقل التاريخي للملكية يسيطر عليه حفتر الذي بات يحظى بشعبية كبيرة فيه وهو ما تسبب في تراجع مؤيدي الملكية.

أما في الغرب فإن قبائل مثل ورفلة وورشفانة وترهونة والتي تشكل ثقلا ديموغرافيا مهمّا، مازالت تدين بالولاء لنظام القذافي. وبدورها مازالت أغلب قبائل الجنوب تدين بالولاء لنظام القذافي ومن أبرز تلك القبائل المقارحة، والقذاذفة.

أما قبائل أخرى كأولاد سليمان والتبو والتوارق، فانقسمت ولاءاتها بين النظام السابق والجيش وحكومة الوفاق. لم يتبق في المشهد سوى بعض مدن المنطقة الشرقية التي كانت تحظى بمكانة في كنف النظام الملكي كالبيضاء وطبرق، بالإضافة طرابلس وأخيرا مصراتة التي يرجح أن تكون “عرّابة” مبادرة إحياء الملكية، باعتبارها تقع تحت سيطرة الإسلاميين الذين يتحركون في مختلف الاتجاهات لمنع خصومهم من الوصول إلى الرئاسة وخاصة حفتر.

12