ولي عهد الكويت ينزع فتيل "حرب التوظيف" بوقف شامل للتعيينات والنقل والترقيات

الكويت- أوقف ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح سباقا محموما على المناصب والوظائف الحكومية لينزع بذلك فتيل صراع سياسي متصاعد مهدّد لحالة الاستقرار النسبي في علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأصدر الشيخ مشعل المخوّل رسميا بممارسة عدد من الاختصاصات الدستورية لأمير البلاد قرارا يقضي بـ”وقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة لمدة ثلاثة شهور قابلة للتجديد”، على أن يتم تطبيقه بشكل فوري.
وجاء القرار بعد تزايد الانتقادات من قبل نواب في البرلمان وعدد من القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية لما يُعتقد أنّه عمليات ترضية ومكافآت لجأت إليها حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح عبر إسناد عدد كبير من الوظائف لأشخاص محسوبين على دوائر نافذة دون مراعاة لمعيار القدرة والكفاءة، ودون أن تكون بعض المؤسسات في حاجة فعلية إلى المزيد من الموظفين في مناصب واختصاصات معيّنة.
وحذّرت بعض الدوائر من أن تؤدي فوضى التوظيف إلى المزيد من إغراق مؤسسات الدولة بموظفين غير أكفاء فائضين عن الحاجة يدخلون آليا في حالة بطالة مقنّعة حتى بلوغهم سنّ التقاعد.
لكن الأخطر بحسب هؤلاء أن عملية التوظيف باعتماد المحسوبية والمجاملة والمكافأة، تساهم في تقسيم المجتمع وخلق صراع داخله بأن تخلق شعورا بالمظلومية لدى أبناء فئات مجتمعية معينة يمتلكون المؤهلات العلمية والمهنية لكنهم لا يستطيعون الوصول إلى وظائف معيّنة محجوزة سلفا لأسر ومعارف وأصدقاء بعض أصحاب النفوذ من سياسيين وغيرهم.
ويقول البعض إنّ الصراع على الوظائف الحكومية تجاوز بالفعل دائرة الطبقة السياسية إلى دائرة اجتماعية أوسع وهو ما يعكسه حجم التظلم أمام القضاء للحصول على وظائف معيّنة أو لإزاحة آخرين من وظائف لا يستحقون شغلها بحسب المتظلّمين.
وأظهر جرد نشر سابقا ويتعلّق بالقضايا المرفوعة من قبل أشخاص يطالبون بتعيينهم في بعض المناصب على أساس أنّهم أحق بها ممن يشغلونها فعلا، أنّ رفع الدعاوى يتمّ بمعدل ثماني قضايا في كل يوم عمل.
كما أظهر استقبال المحاكم الإدارية في النصف الأول من العام الحالي نحو ألف قضيّة يتظلم أصحابها من التعيينات ويؤكدون غياب معيار الكفاءة وعدم اتباع القواعد والإجراءات القانونية في عملية التعيين بالمناصب والوظائف.
وتتعلق أغلب القضايا بالمناصب الإشرافية من رئيس قسم إلى مدير إدارة، لكن عددا منها يشمل المناصب القيادية بدرجة وكيل وزارة وما شابهه.
ومن بين القضايا المرفوعة ما تمّ حسمه من قبل المحاكم لمصلحة المدّعين بعد أن ثبت وجود تلاعب صارخ وعدم مشروعية في التعيينات وكسر لقانون الخدمة المدنية نتيجة إخلال جهات إدارية بمبدأ تكافؤ الفرص.
ووصف نواب بالبرلمان في وقت سابق التعيينات الحكومية في المناصب القيادية بـ”الباراشوتية”، وقال النائب مهلهل المضف إن غياب العدالة والتعدي على حقوق الكفاءات يدل على استمرار نهج الفساد وظلم الكفاءات الوطنية وأصحاب الخبرات، فيما قال النائب شعيب علي شعبان إن استمرار المحسوبيات في التعيينات يكرس الفساد الإداري ويتناقض مع الإصلاح المنشود، مطالبا بوقف هذا النهج وتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، فضلا عن إعطاء الفرصة للكفاءات الشابة وتمكينها من المناصب القيادية وصنع القرار.
وألزم قرار ولي العهد جميع أجهزة الدولة المعنية بتنفيذه والعمل به من تاريخ صدوره. وقالت مصادر كويتية إن الوزارات وإدارات الدولة بدأت فعلا في اتخاذ إجراءات التنفيذ وسحب أي قرارات تتعارض مع قرار الشيخ مشعل.
وكانت مؤسسة البترول الكويتية التي يدور صراع استثنائي على شغل وظائفها بفعل ما توفّره لموظفيها من امتيازات كبيرة، في مقدّمة المؤسسات المبادرة بتنفيذ القرار.
اقرأ أيضا:
وأصدر الرئيس التنفيذي للمؤسسة الشيخ نواف سعود الصباح تعميما إداريا بوقف جميع القرارات المتعلقة بالتوظيف وسحب أي قرارات وتعاميم تتعارض مع قرار ولي العهد.
ومن أهم قرارات المؤسسة التي يسري عليها إجراء السحب قرار لم يمض على اتّخاذه سوى يومين ويتعلّق بـ”تعيين رؤساء فرق تطوير الأداء الصناعي وصيانة الكهرباء والتبريد وتخطيط الصيانة في مصفاة ميناء عبدالله”.
وأثار قرار ولي العهد بوقف التعيينات في الوظائف الحكومية تفاعل عدد من الشخصيات والقوى السياسية.
وقالت جنان بوشهري عضو مجلس الأمّة في تعليقها على القرار “طالما كان الدستور الكويتي هو الحصن الحصين لنظام الدولة ومؤسساتها محددا بكل وضوح الحقوق والواجبات والصلاحيات والالتزامات لكل السلطات”، مضيفة عبرحسابها في منصة إكس “إذ نتفق مع سموه (ولي العهد) على سوء ترشيحات بعض الوزراء لتسكين المناصب القيادية وانحرافهم عن المسار الذي يحقق الإصلاح المنشود، إلا أن القرار سابقة لم تشهدها الحياة السياسية الكويتية، مما يستوجب على الخبراء الدستوريين المعتبرين بحث الجوانب الدستورية للقرار”.
مضيفة قولها “المسؤولية الوطنية تحتم علينا جميعا، بلا استثناء، أن ننتصر للدستور وقوانين الدولة، والتجرد من الاصطفافات الوقتية والاعتبارات الآنية، فإصلاح المسار لا طريق له سوى التمسك بالدستور ومواده”.
وأصدرت الحركة التقدمية الكويتية من جهتها بيانا عقلت فيه على القرار معتبرة أنّه “استثنائي ولا سابق له” لأنّه “جمّد الحكومة التي تمادت في استخدام صلاحيات التعيينات والترقيات الاستثنائية والنقل والندب والإعارة لتحقيق مصالح ضيقة تخدم أجندات بعض القوى في إطار الصراع على النفوذ والسلطة”.
كما حمّل البيان حكومة الشيخ أحمد النواف “أولا وقبل أي طرف آخر مسؤولية التعامل مع هذا القرار باعتباره توجيها كتابيا من ولي العهد لتصحح مسارها، وعليها أن تلتزم بالدستور والقانون ومصلحة الدولة والشعب وتوقف العبث بالتعيينات.. وأن تعتمد مبدأ تعيين الكفاءات والمستحقين بدلا من مبدأ الولاء والطاعة والمصالح الشخصية الضيقة”.