ولي العهد الكويتي أمام تحدّي ضبط العلاقة المتوترة بين الحكومة ومجلس الأمة

يشغل ترتيب البيت الداخلي ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح في ظل تحدّيات مالية واقتصادية تبدو الإمارة في أمسّ الحاجة لمعالجتها. وبالمقابل فإنه من غير المتوقع حدوث تغيير كبير على مستوى السياسة الخارجية، حيث ستحافظ الكويت على قدر من التوازن رغم الحرص على تعزيز التقارب مع الرياض.
الكويت - يواجه ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الصباح تحدّيا كبيرا في معالجة الأزمة السياسية المحتدمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي عرقلت لسنوات الإصلاح المالي الذي تحتاجه الإمارة بشدة.
وفوّض أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح هذا الشهر لولي عهده البالغ من العمر 81 عاما الكثير من صلاحياته الدستورية، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات حول الوضع الصحي للأمير نواف.
وحرص الشيخ مشعل في السابق على البقاء بعيدا عن الأضواء وتجنب الخوض في شؤون السياسة العامة ولم يعرف عنه الكثير سوى أنه أسس جهاز أمن الدولة، وكان نائبا لرئيس الحرس الوطني قبل أن يعيّنه أخوه غير الشقيق الأمير وليا للعهد في عام 2020.
وسلطت الأضواء بشكل أكبر على الشيخ مشعل في 15 نوفمبر الجاري بعد أن نقل إليه أمير الكويت، الذي بدا واهنا في آخر ظهور له، أغلب صلاحياته.
ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه الكويت تحقيق التعافي الاقتصادي من آثار جائحة كورونا، والذي لا يبدو أنه سيكون سهلا في ظل استمرار التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتذبذب أسعار النفط لاسيما بعد ظهور متحوّر أوميكرون.
وقبل التفويض قام أمير الكويت بخطوات تصالحية لنزع فتيل المواجهة بين الحكومة ومجلس الأمة المنتخب، التي شلت العمل التشريعي خلال السنة الماضية، حيث عقدت جلسة عادية واحدة فقط للموافقة على ميزانية الدولة.
ولا يبدو أن الأزمة بين الحكومة ونواب المعارضة في طريقها إلى الانفراج بعد إعادة تكليف رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الخالد الصباح بتشكيل الحكومة المقبلة، وتحفز نواب المعارضة “لمبارزة سياسية” جديدة.
وتسعى الحكومة الكويتية لاتخاذ تدابير لتعزيز المالية العامة بما في ذلك قانون الدين العام الذي ترغب في إقراره ليسمح لها بالاقتراض من الأسواق العالمية بينما تبقى الإصلاحات الهيكلية عالقة في طريق مسدود.
وقالت كورتني فرير الزميلة في جامعة إيموري في أتلانتا “إن الكويت بحاجة إلى معالجة وضعها المالي. أعتقد أن التركيز سيكون بالفعل على تنظيم البيت ماليا”.
واعتبرت أن هذا الأمر ربما يكون صعبا نظرا لأن الشيخ مشعل لم يتقلد أي منصب وزاري من قبل، لاسيما منصب رئيس الوزراء الذي يكسب صاحبه عادة خبرة في التعامل مع المؤسسة التشريعية الأكثر حيوية في الخليج.
وأعاد ولي العهد الأسبوع الماضي تعيين رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد وكلفه بتشكيل حكومة جديدة هي الثالثة هذا العام في ظل مواجهة مع البرلمان الذي أراد العديد من نوابه استجواب رئيس الوزراء. كما التقى الشيخ مشعل نوابا من المعارضة.

كورتني فرير: التركيز مستقبلا سيكون على تنظيم البيت الكويتي ماليا
وقال المحلل السياسي الكويتي داهم القحطاني إن أمير البلاد وولي العهد يعتبران الشيخ صباح الخالد هو “الشخصية الأقدر والأقوى على التعامل مع البرلمان في المرحلة الحالية”.
وأضاف أن اختيار رئيس الوزراء عملية لا علاقة لها فقط بالأداء “وإنما تخضع لترتيبات أخرى يقدرها سمو الأمير” وفقا لصلاحياته الدستورية وللأوضاع السياسية القائمة، ولترتيبات خاصة بالأسرة الحاكمة.
ويقول صندوق النقد الدولي إن الكويت بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات واتخاذ خطوات منها تقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية وإقرار قانون الدين العام الذي يواجه اعتراضا من مجلس الأمة (البرلمان).
وقاومت البرلمانات المتعاقبة الجهود الرامية إلى فرض ضرائب جديدة، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، وإصلاح نظام الرفاهية المكلف للكويتيين، الذين يمثلون أقل من ثلث السكان البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة.
ويرى محللون أن جهود الحل يمكن أن تستفيد من تفكك المعارضة التي أصر بعضها على استجواب الشيخ صباح الخالد في قضايا مختلفة منها الفساد وأداء الحكومة في أزمة كورونا، ورفض شق منها الانخراط في الحوار الوطني الذي جرى في سبتمبر.
وقال المحلل السياسي الكويتي غانم النجار إن “ما يسمى بالمعارضة لديها انقسامات خطيرة وسيكون من الصعب عليها الاستمرار موحدة”.
وتوقع القحطاني حصول ثلاثة أو أربعة نواب من “المتوائمين مع الحكومة تقليديا أو المتوافقين معها مؤخرا” على مقاعد وزارية، لإثبات أن المرحلة الحالية هي مرحلة تعاون مع البرلمان، بخلاف ما جرت عليه العادة من توزير نائب واحد في الحكومات السابقة.
وتوقع المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي انتهاء حالة الشلل التشريعي وتعطيل البرلمان بعد الحوار الوطني والعفو، معتبرا أن “هذه مرحلة تجاوزها الطرفان”، حيث ستركز المعارضة خلال الفترة المقبلة على القضايا الشعبية.
ومن المتوقع أن تكون للأمور الداخلية الكويتية الأولوية على القضايا الخارجية في وقت يتواصل فيه التوتر بين الجارتين الأكبر والأقوى للكويت، المملكة العربية السعودية وإيران.
ويقول خبراء كويتيون إن ولي العهد قريب من السعودية وقد يتحرك للمزيد من الاصطفاف مع الرياض، حيث كانت مكالماته الأولى بعد تفويضه من قبل أخيه مع الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتوقع عبدالعزيز محمد العنجري المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، المزيد من التوافق مع توجهات السعودية.
وقال العنجري “الكويت ملتزمة بالمبادئ التي أرساها مؤسسو مجلس التعاون الخليجي الأوائل. لكن يبدو أنه قد اتضحت أمور كثيرة لدى القيادة السياسية الجديدة بالكويت، بيّنت ضرورة الحاجة لوجود تقارب أكثر مع السعودية وتحديدا في الملفات الأمنية والاقتصادية وحماية البيئة”.
واعتبر دبلوماسي غربي أن الكويت بعثت “بإشارة قوية” لدعم السعودية الشهر الماضي، عندما حذت حذو الرياض في طرد القائم بأعمال السفارة اللبنانية واستدعاء سفيرها في بيروت للتشاور، في ظل خلاف مع لبنان بسبب النفوذ المتزايد لحزب الله المدعوم إيرانيا.
ويتوقع دبلوماسيون ومحللون مع ذلك أن يحافظ الشيخ مشعل على السياسة الخارجية المتوازنة التي صاغها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، والتي ساعدت الكويت على اجتياز الاضطرابات الإقليمية وتجاوز مخلفات الغزو العراقي عام 1990.
وقالوا إن الأمير الحالي وولي العهد ليس لديهما ذات القدرات الدبلوماسية التي توافرت للشيخ صباح الأحمد، المصلح الإقليمي الذي أدار السياسة الخارجية للكويت لأكثر من 50 عاما.
واعتبر النجار “أن القدرة على إحداث تغيير كبير في السياسة الخارجية ليست موجودة ولا داعي لها في الوقت الحالي”.