وليد الشامي عراقي شاب يحمل أغانيه رسائل أصالة وإنسانية

عمّان - الغناء هو الهدف الخفي الذي يسعى إليه أغلب الملحنين العرب ضمنا، وينتظرون الفرصة الملائمة لكي ينطلقوا به في عالم الشهرة. وغالبا ما تبوء تلك المحاولات بالفشل. فهناك أمثلة كثيرة وتجارب خاضها عمالقة التلحين في عصرنا هذا، أملا منهم في احتراف المهنة التي تدرّ عليهم الأموال الطائلة. من هؤلاء وليد سعد ومحمد رحيم وعمرو مصطفى وحسام كامل وغيرهم.
التلحين للموسيقار الساهر
ولد وليد محسن الساعدي الشامي في جنوب العراق بمدينة العمارة في العام 1977، ونشأ وسط عائلة فنية. فشقيقاه هما الفنانان سعدون ورائد الشامي، اللذان عرفا في مجالي الإنتاج الفني والهندسة الموسيقية. ما فسح المجال أمام وليد للحاق بهما إلى العاصمة بغداد بعدما أنهى دراسته الثانوية. حيث كان يرافق أخاه رائد في ذهابه إلى معهد الدراسات الموسيقية ويحضر معه محاضرات أكبر الأساتذة الموسيقيين في العراق.
من تلك اللحظات أصبح وليد ملمّا بالمقامات العراقية، وبدأ بتعلم العزف على آلة العود ليحقق قفزات فنية متعددة. فهو بدأ بالتلحين إبان دراسته في معهد الدراسات الموسيقية. ثم ما لبث أن أجبرته ظروف الحصار الذي فرض على العراق بعد عام 1991 على التوجه مع أشقائه إلى الأردن، حيث عمل موسيقيا هناك، وقد لا يعرف جمهور الفنان ماجد المهندس أن أول أغنياته، التي كتبها الشاعر العراقي عزيز الرسام “منين جتني المشكلة من أقرب الناس” كانت من ألحان وليد الشامي.
نجومية الشامي العربية وجدها إثر انتشار أغنية “يا مهاجر”، التي لحنّها للمطرب حاتم العراقي. فقد فتحت له هذه الأغنية آفاقا كبيرة في مقر إقامته الجديد في دبي، إذ سيكون المطرب السعودي راشد الماجد عرّابه.
فبعد نجاح تجربة الشامي في تلحين أغنيتي “سلامات” و”وصية” لراشد لماجد، يأخذ الملحن العراقي الشاب بنصيحة الماجد لتجريب حظه كمغن، فكان لقاؤه بالملحّن الإماراتي أصلا والمغنّي لاحقا فايز السعيد، في ديو “الحق حبيبك” مثمراً جداً. لتحقق الأغنية المشتركة نجاحاً كبيرا. ما أغرى الشامي ومعه السعيد بالولوج أكثر إلى الساحة الغنائية.
خبرة الموسيقي العارف بما تحتاجه الساحة الفنية من أغنيات، تُمكّن الشامي من الموازنة بين كونه ملحنا لمجموعة من كبار المطربين العرب، كعبدالمجيد عبدالله وحسين الجسمي ونوال الكويتية، وبين كونه مطربا يختار ما يناسب مساحة صوته، حتى وصل لقمة النجاح بعد أن اقتنع المطرب العراقي كاظم الساهر، بأن يغني من ألحانه أغنية “قلبي قوي”.
"مشينا" الرسالة الإنسانية
بمشاعر إنسانية مؤثرة تتحدث وتروي ألم وضعف المستضعفين الأبرياء المهجّرين من بلادهم، ووسط مشاهد الأطفال والنساء وكبار السن المظلومين من أحداث مجتمعاتهم، سلّط الشامي، في أحدث أغنياته المصورة “مشينا”، الضوء على تلك القضية في العالم العربي. مقدما بالموسيقى رحلة هؤلاء الهاربين من واقع الأحداث المدمرة في بلادهم، ومجسّداً ذلك بحرفية عالية بالصورة والإخراج في فيديو كليب الأغنية، الذي أطلقه عبر قناة روتانا، واقع الألم الذي يعيشه هؤلاء الناس.
فضل وليد الشامي أن تكون “مشينا” التي تحمل كلمة ولحنا كلاسيكيا، ضمن رسالة إنسانية لتلفت النظر إلى أن تلك القضايا تحتاج إلى وقفة ونظرة إنسانية من أجل الحد منها، مؤكداً في تصريحات صحفية أنّ الفن رسالة يجب أن تستخدم في خدمة المجتمعات في كل مكان، وهي هدف من أهدافه التي سترافقه خلال مسيرته الفنية التي لن يتوقف عنها. ليهدي أغنية “مشينا” وحسب ما ذكر في بداية الكليب “إلى كل من أغمض عينيه مجبراً تحت سقف غير سقف بيته”.
|
يظهر وليد الشامي في الكليب يسير حافي القدمين، بهدف إيصال الرسالة والمعاناة التي يعيشها النازحون، مثل انكسار الرجال، وألم النساء، ويبكي بدموع براءة الأطفال التي سرقها ظلم الحروب والدمار والتهجير.
الأغنية كلمات الشاعر قوس وألحان الشامي نفسه، وتوزيع خالد عز، ومن إخراج صديق دربه المبدع العراقي ياسر الياسري الذي يقول عن الفيديو كليب الجديد “فيديو كليب (مشينا) هو عمل إنساني، يناقش حال كل مستضعف أجبر مكرهاً أن يترك بيته وأهله، والعمل يلقي الضوء بشكل خاص على الوطن العربي، ولكنه يتطرق إلى أمثلة أخرى تحدث في بقاع بعيدة عن وطننا العربي، ليأتي بصيغة شبه عالمية تتحدث بلسان كل مستضعف مهما كان لونه أو دينه أو عرقه”.
الشامي يبحث دائما عن التجديد فيما يطرحه، كما يصر على التنوع في إنتاجاته الغنائية. بداية من اللون الشعبي إلى الإيقاعي الحديث وصولا مؤخرا إلى اللون الكلاسيكي، ولكن برؤية حديثة. قدم العام الماضي 2015 أغنية “مبروك للحزن”، التي صورها في دار أوبرا بمصاحبة خمسين عازفا، أثثوا بموسيقى الأغنية التي عزفوها دقائق الكليب الثماني، وسط قصة تجري في الكواليس بين بطل العمل المطرب وطيف حبيبته، التي تظهر في مفاصل “الكوبليهات” الغنائية.
رُسم سيناريو الكليب بناء على مغزى الكلام، الذي كتبه الشاعر السعودي محمد عبدالرحمن، حيث تدور الأغنية في فلك الغناء النبطي بلهجة بيضاء، فالأغنية الكلاسيكية قصد بها الشامي الوجود بين أحضان جمهور جديد، وبطرح جريء من مطرب يقدم الغناء الكلاسيكي بروح شاب في الألفية الثالثة، في الوقت الذي قلّ فيه جمهور ذلك النوع الغنائي، وفضل معظم الناس التوجه للأغنية السريعة.
الغزل بالعراقي
لا يتكئ الشامي على أغنيته التي تضمنها ألبومه الغنائي الأخير “نار حلوة” لتحقيق الانتشار بين الجمهور العربي. فقد قدّم مع طرح الألبوم في الأسواق قنبلة غنائية وهي “أحبّه كلش” التي حققت حتى الآن ما يزيد عن 59 مليون مشاهدة على يوتيوب. الأغنية قدّمت لهجات عراقية متعددة، حيث اعتمد كاتبها الشاعر كاظم السعدي على انتقاء كلمات غزلية من مناطق عراقية عدة، لتكون جامعة للعراقيين في الداخل. وأرجعتهم كلمات الاغنية إلى ذكرياتهم القديمة، إلى حواري مدنهم، وإلى كلمات الغزل العراقية الأصيلة التي نسيها جيل هذا العصر.
تقول كلمات الأغنية التي وصلت إلى جميع البلدان العربية ورددها الكثير من العرب بالرغم من صعوبة اللهجة العراقية:
“هذا حبيبي أحبه كلش
عيني عليه مساهره بس قلبي يرمش
أحبه كلش كلش أحبه
وأتحدى واحد بالبشر مثلي يحبه
عجل يابا امتى تصفى لي؟
عيني آغاتي امتى تصفى لي؟
|
بعد قلبي يا روحي عذبت حالي
تعاهدنا سوية نبقى للثاني
ولا نخلي عذول بيننا يدش
هذا حبيبي بحبي يدردش
ومن يوم أنا ما أغازله يزعل يطنش
موجات قلبي وقلبه يشوش
ويلحقني رادار الهوى وعني يفتش
هذا حبيبي هذا حياتي
قلبي يصير وسادته وبكيفه يفرش
يملكني كلي تشاوين أولي
قيمر جنوب بوجنته وغمازه كردش”.
الرجولة العربية
يحاول الشامي دوما تقديم الأفكار المختلفة والجريئة في أعماله. يشاركه في كل مرة الياسري الذي يرسم له سيناريوهات جنونية لتصوير أغانيه. وضمن فكرة جديدة تستخدم لأول مرة على مستوى العالم أجمع، ومن واقع الاستخدام اليومي لموقع مشاركة الصور “إنستغرام”، استوحى الياسري رؤية جديدة هي بمثابة بصمة خاصة لوليد الشامي مختلفة عمّا قدّم في عالم الفيديو كليب العربي والعالمي أيضا. وهي أغنية “أنا أصلي” التي كانت بالكامل مصورة داخل التطبيق الشهير، عن طريق استخدام مؤثرات بصرية عالية الدقة.
ولعل أجمل ما في العمل، كانت كلماته التي قدّمت رسالة عن معاني الرجولة والانتماء والأصالة، في طابع خفيف ورومانسي، ففي حين دأب مطربون شباب كثر على استخدام مصطلحات صادمة وعبارات تحمل معان هجينة عن القيم الأخلاقية، استطاع الشامي أن يكسر القاعدة، وأن يقدم درسا في وصف الرجولة العربية الحقيقية، وما يجب أن يتّسم به الرجل الراقي من قيم عالية، مثل الوفاء والانتماء والاعتزاز بالأصالة.
عام حافل بالنجاحات
وليد الشامي هو الجيل الجديد من الفنانين العراقيين الذين يربطون الأصالة الموسيقية العريقة في بلاد الرافدين مع أحدث إيقاعات الفنون في العالم. وهم يكسبون دوماً لأن الجمهور العربي يحمل الوفاء الكبير لفن العراق وفنّانيه.