ولا يزال بورقيبة حيّا

ربع قرن يمر اليوم على رحيل الحبيب بورقيبة ولا يزال صوته يغري أبناء وطنه بالاستماع إليه والعاقلين من أبناء العروبة بالتنبه إلى ما يقول.
الأحد 2025/04/06
بورقيبة سبق زمنه وكان جريئا في مواقفه

ربع قرن يمر اليوم على رحيل الزعيم التونسي باني دولة الاستقلال وأول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة في السادس من أبريل 2000، ولا تزال ملامحه راسخة في المشهد السياسي الوطني والإقليمي والإنساني، ولا يزال صوته يغري أبناء وطنه بالاستماع إليه، والعاقلين من أبناء العروبة بالتنبه إلى ما يقول والوقوف عند ما كان بادر به وسبق إليه سواء خلال قيادته لمعركة التحرر الوطني أو منذ أن أمسك بمقاليد الحكم في بلاده بعد استقلالها من الاستعمار الفرنسي.

كانت لدى بورقيبة قوة الإقناع بما امتلك من موهبة الخطابة وجرأة التفكير ومن ذكاء في أن يجمع حوله أهل الحواضر والأرياف، والمتعلمين والأميين، والمتحررين والمحافظين، وأن يعتمد على المرأة في امتلاك ناصية المجتمع، لذلك عمل على أن يكون أول قرار إصلاحي برؤية إستراتيجية عميقة اتخذه وهو لا يزال رئيسا للحكومة في العهد الملك محمد الأمين باي، إصدار قانون الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 الذي دخل حيز التنفيذ في 1 يناير 1957، وكان هدفه الأبرز إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في عدة مجالات، بما أعطى المرأة مكانة هامة في المجتمع التونسي حيث تم إلغاء تعدد الزوجات ووضع مسار إجراءات قضائية للطلاق وأخيرا اشتراط رضاء الزوجين لإتمام الزواج.

ورغم محاولات بعض المتشددين ومن يحاولون استمالة المجتمع والتغلغل في مفاصله بالاعتماد على الخطاب الديني المتكلس والمتجمد، ومن حاولوا التشكيك في عروبة وإسلام ووطنية بورقيبة، إلا أن خياراته الاجتماعية والثقافية بقيت صامدة وصلبة وقوية ومضيئة، وهي التي طالما دافعت عنه وهو خارج السلطة بعد الإطاحة به في السابع من نوفمبر 1987، ثم وهو في ذمة الله والتاريخ بعد وفاته في العام 2000، وحتى بعد جهود الإطاحة بدولته في العام 2011 وما تلاها من سنوات الحرب المعلنة على رصيده النضالي ومسيرته السياسية ومنجزه الثقافي وتجربته في الحكم، ولا تزال إلى اليوم تعطيه بريق الخلود وعبق الاستثناء، وستبقى تمنحه عبقرية البقاء في مفاصل التاريخ وعلى جبهة الجغرافيا كأحد أكبر الزعماء الوطنيين والمصلحين الاجتماعيين .

سبق بورقيبة زمنه، وكان جريئا في مواقفه التي نادت بقبول التقسيم لحل القضية الفلسطينية، وباعتماد الاجتهاد والمنطق وإعمال العقل في التعامل مع الدين والتراث والدين، وبالتجاوب مع متطلبات العصر. والانفتاح على العالم المتقدم والحر. والنظر بعمق لما يدور حولنا، وتسبيق مصلحة الوطن على الشعارات الزائفة القافزة فوق الحدود، كما كان مؤمنا بأن الديمقراطية قد تكون شرا مستطيرا عندما توهب لمن يعرف قيمتها ولا يدرك جوهرها ولا يمتلك شروطها، وقد تحول السيف الذي يقطع حبل الإصلاح ويقطع الطريق أمام الأفكار التقدمية الكبرى التي لا تتماشى مع من لا تزال عقولهم حبيسة عصور الظلام والانحطاط.

في العام 1963، خطط بورقيبة لأن يبني لنفسه ضريحا يكون شاهدا باسمه وصفاته في مسقط رأسه مدينة المنستير، وفي 1978، أشرف على توسعته، وأمر بأن يكتب على شاهده "باني تونس الحديثة ومحرر المرأة". لم يستطع أعداؤه والمتآمرون عليه سواء في حياته أو بعد مماته المساس بذلك الضريح الذي تحول إلى مزار يقصده المؤمنون بالهوية التونسية ومن يرغبون في التبرك بخصال وصفات وتراث "المجاهد الأكبر."

18