ولا قصّر في الأعمار طول السهر

يبدو أن الشاعر الفارسي عمر الخيام الذي غادر الدنيا الفانية قبل حوالي 900 عام، كان سابقا لعصره وعصرنا عندما قال ذلك البيت الشعر اللافت في رباعياته وفق ترجمة وتعريب أحمد رامي وغناء أم كلثوم بلحن رياض السنباطي "أفـــق خفيف الظل هذا السحر/نادى دع النوم وناغ الوتر/فما أطال النوم عمرا/ ولا قصر في الأعمار طول السهر" رغم أن الأغلبية الساحقة من العلماء بمختلف اختصاصاتهم كانت تدعو إلى عدم الأخذ برأيه، حتى لا نكون من الغاوين الذين يتّبعون الشعراء ويتأثرون بأهوائهم .
فقد اعتدنا على تلك النصيحة "الذهبية" بضرورة النوم باكرا والتخلّي عن عادة السهر التي قد تكون لأسباب مرضية بما يؤدي إلى خلل في إيقاع الساعة البيولوجية للجسم الذي ينطوي على اليقظة خلال النهار والنوم ليلا، ويتسبب اضطرابها في اضطراب إنتاج الميلاتونين أي هرمون تنظيم النوم الذي ينتجه الجسم في الظلام ويتأثر إنتاجه بأشعة الشمس، وهو ما يعني الوقوع تحت التأثيرات السلبية لعادة السهر ومنها الإضرار بالدماغ وضعف الذاكرة واضطراب المزاج وضعف جهاز المناعة وتراجع القدرة على التركيز والتفكير وإلى ضعف القدرة الجنسية والإصابة بأمراض القلب والسكري وزيادة الوزن وما إلى ذلك من المشاكل والعلل الصحية البدنية والنفسية .
لكن دراسة ظهرت خلال الأيام الماضية يمكن أن تقلب جميع الموازين السابقة، وتقنعنا بالتأسّي ببيت الخيام، حيث أكدت أن بقاء الإنسان مستيقظا لوقت متأخر قد يكون مفيدا لقوة دماغه، وأولئك الذين يفضلون السهر وينشطون أكثر في المساء يقدمون أداء أفضل في الاختبارات المعرفية، من أولئك الذين ينامون باكرا ويستيقظون في الصباح الباكر.
بل إن النتائج أثبتت أن المعروفين بأنهم من فئة "بومة الليل" يمكن أن يكونوا أكثر ذكاء من أولئك الذين يذهبون إلى الفراش مبكرا، ومن يسهرون لوقت متأخر لديهم “وظيفة إدراكية متفوقة، ويرتبطون بقوة بمجالات الإبداع، وهو ما يفسر أن الفنون كالشعر والموسيقى والكتابة الأدبية وأغلب الأجواء الاحتفالية مرتبطة بالسهر، كما أن أصحاب القرار في مختلف المجالات لا ينامون باكرا، ومنهم من يبدأ نهاره بعد الظهر أو ربما بعد العصر أو حتى بعد المغرب، وحتى الباحثون عن حظوة دينية وقدرات روحية إضافية يتجهون إلى قيام الليل بالمزيد من العبادة والتبتل والخشوع .
بالمقابل، فإن من يذهبون إلى الفراش باكرا ينتمون إلى فئة "الطائر الصباحي" وقد يكونون أقرب إلى عادات الدجاج، وهم بذلك كائنات نهارية خلقت للعمل البدني المرهق عكس الكائنات الليلية المخلوقة للأعمال الإبداعية أو لترديد شعارات "يا ليل .. يا عين".
لكن هذا لا يعني أن تقاطع النوم، فهو ضروري للصحة وقد يحتاج المرء البالغ إلى سبع ساعات من النوم العميق، وقد يكتفي بأربع أو خمس ساعات إذا كان قد اعتاد على ذلك، ومن يصحو متأخرا أفضل بكثير ممن يصحو باكرا، لاسيما أن أطباء القلب مثلا يؤكدون أن معظم السكتات القلبية تحدث صباحا عندما تكون الصفائح الدموية أكثر لزوجة، ويمكن أن تؤدي زيادة الأدرينالين الناتج عن الغدد الكظرية إلى تمزق اللويحات في الشرايين التاجية.