"ولادة حديثة" للأعمال الشعرية الكاملة لبدر شاكر السيّاب

بغداد ـ في ذكرى رحيل الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب الـ56، احتفى نادي الوتريات في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين بتدشين الأعمال الصادرة عن دار الرافدين وتكوين، بطبعة منقحة حققها الشاعر علي محمود خضير، وقدم لها أدونيس.
وخلال افتتاح الجلسة عبر منصة "الفنر" العمانية أكد الشاعر أحمد رافع، الذي أدار الجلسة مع الشاعر عبدالرزاق الربيعي، أن "النص الشعري للسياب يحمل التعابير الجديدة للشعر العربي"، مشيرا إلى أن الشاعر الراحل وصل إلى العالمية من خلال منظومته الشعرية الحديثة التي تحكم بها ذاته الاستقلالية، ونظرته المغايرة للقصيدة فلم ينتقل فقط من قصيدة الشطرين الى قصيدة التفعيلة بل أضاف لها أيضا مفهوما جديدا يتماشى مع الواقع المفروض آنذاك، واستطاع أن يصنع رموزا كثيرة في جو القصيدة، وهذا ما يجعله متفردا، ويكون خالدا إلى هذه اللحظة بعد غياب لأكثر من خمسين سنة".
وأضاف رافع أن السياب استخدم الرمز الديني والأسطوري للتعامل بما يراه وبما يقتنع به خصوصا أن الميثولوجيا اليونانية أخذت طريقها في مسار قصيدته لما لها من طاقة شعرية مخبوءة وكأداة لتحريك التورية.
واعتبر الشاعر العراقي أنه بالرغم من الرقابة التي كانت تفرِض على القصيدة ألا تخرج بإرادة الشاعر، إلا أن السياب من خلال الرمزية والأبعاد التي يتركها استطاع أن يتحايل بلغته على الرقابة والإفلات منها.
يشار إلى أنه حضر الجلسة الافتراضية كل من غيلان بدر شاكر السياب وعلي محمود خضير وحاتم الصگر، وعارف الساعدي وسعد محمد التميمي والشاعر وسام العاني والناشر محمد هادي والباحث حسان الحديثي.
طبعة مميزة
أوضح نجل الشاعر الراحل غيلان بدر شاكر السياب عن أهم ما يميز الطبعة الجديدة أنه أشرف عليها شاعر متميز وهو ما يعد مكسبا كبيرا لها، فضلا عن طبعتها الأنيقة.
وأشار غيلان إلى أن هذه الطبعة بمثابة ولادة جديدة تليق بوالده، فيما اعتبر أن الطبعات السابقة لا تليق بمكانته ومنجزه الشعري.
وأكد علي محمود خضير أن السياب ظلّ لأكثر من 50 سنة يفتقد إلى طبعة جديدة وفنية تليق به، مضيفا "وهذا ما نعاني منه في البيئة النشرية للشعر، فهناك اختلافات كثيرة بين المخطوطات القديمة والطبعات المتوالية، وهذا ما انطلقنا منه لإعداد أعمال السياب الكاملة ثم تلتها التصويبات والوثائق التاريخية لإعداد المشروع الكبير".
وأشار الدكتور حاتم الصكر إلى أن "مطولات السياب امتازت بالسرد لكونه يطور القناع، فأصبح السارد المضاد لسرده، وعاش مثالا وطوّر كل واقعه بهذا المثال".
أبعاد جديدة للقصيدة
في سؤال أثاره أحمد رافع عن الرمزية والميثولوجيا في قصيدة السياب، أجاب غيلان أنه استخدمها لسببين، وكما هو وضح في مقالاته القديمة، السبب الأول هو أن الميثيولوجيا الإغريقية والأساطير تحمل في داخلها الكثير من الشعر والمعاني الذي يمنح للقصيدة أبعادا جديدة، والسبب الثاني هو التورية لعدم الوقوع في فخ المباشرة.
فيما أشار سعد محمد التميمي إلى أن قضية التوظيف الأسطوري في شعر السياب أخذت مناحي عدة منها الرمز الديني والأسطوري، فالرمز في شعره معادل موضوعي يعبر من خلاله عن القضايا الواقعية.
وأضاف التميمي أن السياب انتقل من ذاته، من المرحلة الرومانسية إلى الإنسانية وأدمج فيها الناس، كما لم يكتف بالرموز والتجديد في الشكل، فقد صنع رموزا مثل نهر بويب وطور في المفاهيم الشعرية.
وأكد الشاعر وسام العاني في كلمته الأدبية أن السياب يعتبر مرجعا له، وهو واحد من الشعراء القلائل الذين لهم القدرة على تحقيق متون شعرية مميزة ودالة عليهم ومؤثرة على من جاء بعدهم، وختم العاني بقراءة قصيدة له.
وتوقّف الربيعي عند مشروع الباحث حسان الحديثي الذي قال "إن الكتاب يحتوي على دراسات نقدية والسياب استخدم الأسطورة وجعل من المفردات علامات ربما تكون هي الأسطورة مستقبلا، إذ لم يتكلم أحد من قبل أن المطر دلالة الحزن ولم يجعل من بويب حزنا، فهو ابتكر الدلالات ودق الأوتاد في الأرض الأدبية"، وتكلم الحديثي عن نظرة السياب إلى الإنسان في قصيدته في مداخلة من الرافع، فذكر أنه عندما يحمل الهموم الاجتماعية لصبية تظلم ويقتل أبوها وترحل وبهذا النمط الدرامي الذي لم يعهده أحد بهذه الكثافة الإنسانية فهو يتكلم عن العبيد أيضا.
وبهذا الصدد وجه الرافع سؤالا لغيلان عن اعتراف السياب وجرأته في كسر نمطية الشعر، فذكر هذا الجزء المميز الذي أضرّ في الوالد وسفح نفسه على الورق كما هي وحرر شعره من كل القيود.
واعتبر عارف الساعدي أن إعادة إصدار الأعمال الكاملة للسياب هي مكسب حقيقي، فيما اتفق سعد محمد التميمي معه في أن السياب قدّم مشروعا برؤى مختلفة.
في ختام الجلسة ثمن عبدالرزاق الربيعي جهود الحاضرين من النقاد والأساتذة الأكاديميين ونادي وتريات في اتحاد الأدباء ومنصة فنر العمانية.