ولادة جيل جديد من المقاتلين الفلسطينيين في الضفة الغربية

أريحا (الضفة الغربية) - قبل أن يشن شبان من مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين هجوما فاشلا على مطعم في أريحا يرتاده مستوطنون إسرائيليون في يناير، أعلنوا ولاءهم لحركة حماس. وكان ذلك بمثابة مفاجأة لعائلاتهم ولحماس نفسها.
وقال وائل عوضات، والد إبراهيم ورأفت اللذين كانا ضمن تلك المجموعة، إنهما لم يكونا أعضاء في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مضيفا “كانت لدى أولادي حياة عادية وما جرى معهما قرار شخصي”.
وتسلط قصتهم الضوء على المزيج المعقد من الأفعال العفوية والارتباط بين الفصائل القائمة والجماعات الجديدة، في وقت يتصاعد فيه العنف في الضفة الغربية، وهو ما يثير مخاوف من اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في أعقاب انتفاضتين في ثمانينات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي.
وعمد جيل جديد من الفلسطينيين، بعيد كل البعد عن القيادة الفلسطينية الرئيسية ونشأ في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تشكيل عدد من الجماعات المسلحة الجديدة، منها عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين.
من ينفذون هجمات بشكل منفرد دون أن تكون لديهم انتماءات تنظيمية معروفة جعل السيطرة عليهم أكثر صعوبة
والارتباط ضعيف بين الجماعات المسلحة التي ظهرت في أنحاء الضفة الغربية خلال العام الماضي والفصائل القديمة مثل حماس أو فتح أو الجهاد الإسلامي. وتتألف الجماعات الجديدة في بعض الأحيان من أعداد قليلة من المقاتلين.
وقال مسؤولان من حماس لرويترز تحدثا شريطة عدم الكشف عن اسميهما خوفا من رد فعل إسرائيل، إن في ظل المراقبة المشددة التي تجعل من المستحيل العمل بشكل طبيعي في الضفة الغربية، تعتمد حماس على شبكات غير رسمية أكثر مرونة لتجنب رصدها. وتدير حماس قطاع غزة.
وقال أحد كوادر حماس في أريحا، وهي مدينة هادئة في العادة تشتهر بكونها مكانا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بالقرب من البحر الميت، لرويترز إن الحركة لم تكن على علم بالخلية التي تقف وراء الهجوم على المطعم، لكنه قال “ستسعد أي فصيلة بإعلان عضويتهم بها”.
وبعد أيام قليلة على الهجوم الذي فشل عندما تعطل سلاح، قُتل شباب المجموعة في مداهمة إسرائيلية.
وقال كادر حماس الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا من رد فعل إسرائيل “كل المؤشرات تدلل على أن هناك انتفاضة قادمة… اليوم يوجد جيل جديد يؤمن بأن الحل الوحيد هو الكفاح المسلح”.
وكثرت الجماعات الصغيرة التي تتفرع بشكل عفوي من فصائل قائمة، مثل كتيبة عقبة جبر التي لم تكن معروفة سابقا وشكلها الأخوان عوضات وأصدقاؤهم.
وقال أحد المقاتلين الشباب، كان ملثما في مسيرة بجنين هذا الشهر وهو يضع عصابة كتائب القسام على رأسه، “اليوم لدينا جيل جديد واع بالمقاومة، وهذا جيل يعرف شراسة الاحتلال”.
وقال لرويترز “لدينا جيل لا يعرف الخوف، لا نخاف الاعتقال أو الإصابة أو الاستشهاد، ولا نخاف من أي شيء، وجيل لا يهاب جيش الاحتلال ويحلم بالشهادة”.
وفي ظل عدم وجود قيادة مركزية، تبث المجموعات رسائلها من خلال الأغاني ومقاطع مصورة على تيك توك وملصقات للمقاتلين على الجدران، لتطرح خططا لشباب غاضبين مما يشعرون بأنه إهانات متكررة من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.
وقال مسلح ملثم من كتيبة جنين “العدد (المسلحين) مستمر وبازدياد، ليعلم هذا العدو أن القتل الذي يمارسه والعنف الذي يمارسه تجاه شعبنا ومخيمنا يزيدان عدد المقاتلين”.
أمنيين إسرائيليين يؤكدون أن العدد الكبير ممن ينفذون هجمات بشكل منفرد، دون أن تكون لديهم انتماءات تنظيمية معروفة، جعلا السيطرة عليهم أكثر صعوبة
وعلى مدار العام الماضي، شنت القوات الإسرائيلية مداهمات شبه يومية بالضفة الغربية، في إطار حملة قمع بدأت في أعقاب سلسلة من الهجمات الدامية في إسرائيل شنها فلسطينيون.
وقُتل أكثر من 200 فلسطيني سواء من المسلحين أو المدنيين، منهم حوالي 80 هذا العام فقط، فيما قُتل أكثر من 40 من الإسرائيليين والأجانب في هجمات شنها فلسطينيون بإسرائيل أو الضفة الغربية أو في محيط القدس.
ورغم أن غياب القيادة قلل التركيز السياسي على الجماعات الجديدة، فإن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يقولون إن طبيعتها الفضفاضة والعدد الكبير ممن ينفذون هجمات بشكل منفرد، دون أن تكون لديهم انتماءات تنظيمية معروفة، جعلا السيطرة عليهم أكثر صعوبة.
وأظهرت حوادث مثل إطلاق النار الذي تعرض له إسرائيليان في الضفة الغربية في السادس والعشرين من فبراير على يد مسلح من حماس، وما أعقبه من قيام المئات من المستوطنين بهجوم انتقامي على بلدة حوارة الفلسطينية القريبة، مدى هشاشة الوضع.
وقد أصبح العنف أمرا متواصلا، تماما كما اعتاد الفلسطينيون بشكل يومي على الصدامات مع الجنود الإسرائيليين عند نقاط التفتيش، حيث يكثفون البحث عن “الذئاب المنفردة”، أو مع المستوطنين الإسرائيليين الذين يستفزون الفلسطينيين ويهاجمونهم في ظل تمتع واضح بالإفلات من العقاب.
ومع تكرار عمليات القتل الواحدة تلو الأخرى، تتزايد الدعوات العاجلة إلى التهدئة من المجتمع الدولي الذي يستشعر القلق. لكن لا إسرائيل، التي تتولى السلطة فيها حاليا واحدة من أكثر الحكومات الدينية القومية اليمينية تشددا في تاريخها، ولا المسلحون الفلسطينيون على استعداد للتراجع.