وكالة الأنباء الجزائرية وسيلة إعلام محايدة أم طرف في الصراع بين شقوق النظام

المؤسسة الإعلامية الحكومية لم تتحرج الوكالة الرسمية من اتخاذ موقف منحاز إلى جهة معينة بدعوى الدفاع عن مصالح الدولة.
الثلاثاء 2023/09/12
الوكالة لم تحترم حق الجمهور في معرفة حقيقة ما يجري

الجزائر- لم تتخلف وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن بث برقية بمحتوى لاذع ضد سعيدة نغزة، رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية (اتحاد أرباب العمل)، بسبب خطاب رفعته إلى الرئيس عبدالمجيد تبون تشكو فيه مما وصفته بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المقلق في البلاد، لتتحول الوكالة بذلك إلى طرف في التجاذبات بين شقوق النظام، رغم أنها وسيلة إعلام عمومي يفترض أن تكون محايدة، خاصة أنها تتلقى تمويلها من دافع الضرائب الجزائري.

واتهم مقال نشرته وكالة الأنباء الجزائرية رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية بالدفاع عن مصالح “العصابة” التي “التهمت أموال الشعب”، في إشارة إلى المنظومة المالية والاقتصادية خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك غداة توجهها بخطاب إلى الرئيس تبون من أجل التدخل لوقف ما وصفته بـ”الضغط والبيروقراطية والانتقائية بين الفاعلين الاقتصاديين في البلاد”.

واتخذت الوكالة الرسمية من خلال مقالها موقفا منحازا إلى الجهات التي اتهمتها رئيسة اتحاد أرباب العمل بالاستحواذ على فرص النشاط الاقتصادي والتجاري، والدفع إلى إفلاس فاعلين اقتصاديين وتسريح العمالة الناشطة لديهم، فضلا عن التسيير البيروقراطي الذي عطل النشاط وساهم في ندرة وغلاء أسعار مواد أساسية في السوق المحلية.

وباتت وكالة الأنباء الرسمية تتدخل من حين إلى آخر، ببث برقيات يصعب تصنيفها؛ أهِيَ من التقارير الإخبارية أم من التحاليل أم من مقالات الرأي أم من التعليقات؟ رغم أن الأمر يتعلق بمؤسسة إعلامية حكومية دأبت منذ نشأتها إلى غاية السنوات الأخيرة على تقديم خدمات التغطيات الخبرية والتقارير والصور، ولم يحدث أن تناولت بعض القضايا المثارة، كما جرى مع المقال الصادر الأحد ضد سعيدة نغزة.

وقالت الوكالة “خطت السيدة سعيدة نغزة نصا بائدا ومتنكرا لكل الإصلاحات التي بادرت بها البلاد منذ سنة 2020 من أجل تصويب مالية الدولة، تجنبا للوقوع بين أيدي صندوق النقد الدولي، والتي ساهمت في تعزيز الإنتاج الوطني لبلوغ قيمة 13 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات في آفاق 2023 – 2024”.

◙ سعيدة نغزة رفعت خطابا إلى الرئيس تبون تشكو فيه مما وصفته بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المقلق في البلاد
سعيدة نغزة رفعت خطابا إلى الرئيس تبون تشكو فيه مما وصفته بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المقلق في البلاد

وأضافت “جعلت السيدة سعيدة نغزة من نفسها ناطقا رسميا باسم مصالح تزعم أنها هي من تحارب مصالح النظام القديم، أو بالأحرى مصالح ‘العصابة’ التي تفننت في سرقة أموال الشعب، والمطالبة بالحق في الحصول على أملاك في الخارج بواسطة تحويلات غير قانونية نابعة من نفس الأموال المحصلة من تضخيم الفواتير”.

وتابعت “تنبض هذه الرسالة التي تحنّ إلى النظام القديم بنوايا مؤلفيها الحقيقيين، من خلال سعيهم للإبقاء على الركود، كما أنها توضح في الوقت ذاته عدم دراية مؤلفيها التام بالتحولات العميقة التي تشهدها الجزائر. إن المتعاملين الاقتصاديين ومسيري الدولة كلهم يعرفون هذه الشخصية (…) وكذا ميولها إلى كل أمر أجنبي ودولي. فالوقوف بمظهر المدافع عن الاقتصاد الجزائري ورجال الأعمال والمواطنين برمتهم، هو أمر تجرأت عليه السيدة نغزة، واعتادت عليه إلى أن صار صفتها الأساسية”.

ولم تتحرج الوكالة الرسمية من اتخاذ موقف منحاز إلى جهة معينة بدعوى الدفاع عن مصالح الدولة، وفي المقابل لم تتوان في توجيه انتقادات لاذعة إلى جهة أخرى، كما أنها لم تحترم حق الجمهور في معرفة حقيقة ما يجري، مما يحتم عليها عرض جميع وجهات النظر في القضية لأن تمويلها يأتي من المال العام للدولة.

وعاب مقال الوكالة على رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للكشف عن فحوى رسالتها إلى تبون دون المرور بالمؤسسات القائمة، مثل مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لكن المنطق يتنافى مع ذلك، كون مجلس التجديد هو جمعية منافسة وهو محل شكوى مبطنة من المعنية بالأمر.

وأعربت وكالة الأنباء عن شكوكها في ما يتعلق بملف تضخيم الفواتير، وتساءلت “ما الذي يزعج السيدة نغزة وأتباعها حين تقرر الدولة استرجاع أموال الشعب؟ أليس استرجاع هذه الأموال إحدى المهام الرئاسية، حيثما كانت ولدى أي كان؟ّ”.

◙ الوكالة تبث برقيات يصعب تصنيفها؛ أهِيَ من التقارير الإخبارية أم من التحاليل أم من مقالات الرأي أم من التعليقات؟

وجاء ذلك ردا على انتقاد نغزة لما أسمته بـ”محاسبة الفاعلين الاقتصاديين خارج المؤسسات الرسمية”، في إشارة إلى اللجنة الخماسية المشكلة من وزارات ومصالح مالية، التي لجأت إلى فرض غرامات وصفتها بـ”المفلسة” لأنها تفوق أصول شركات البعض من الفاعلين في الساحة الاقتصادية والتجارية، وحضت على إحالة تلك الملفات إلى جهاز القضاء من أجل الاستماع لجميع الأطراف.

وانتقدت الوكالة دعوة نغزة إلى تنظيم لقاء “الثلاثية”، الذي يجمع الحكومة وأرباب العمل والشركاء الاجتماعيين، بالقول “لكن المتمم لكل ما ذكر من هذه الرسالة الغريبة هو الاقتراح الذي تقدمت به السيدة نغزة، بندائها وبدون حياء إلى إعادة تفعيل الثلاثية. هذه الثلاثية الشهيرة التي دامت عقدين من الزمن والتي كانت مسرحا لتمزيق الاقتصاد الوطني والمؤسسات العمومية. هذه التمثيلية التي كانت أداة لاختلاس وبيع المؤسسات العمومية”.

وأضافت “من خلال الثلاثية تم بيع العديد من مؤسسات القطاع العمومي التجاري لأوليغارشية منتدى رؤساء المؤسسات. ومن خلال الثلاثية تم توزيع مال طباعة النقود على منتدى رؤساء المؤسسات. فقد كلفت الثلاثية ملايير مليارات الدولارات للخزينة العمومية (فقد كلفت الثلاثيةُ الخزينةَ العموميةَ مليارات الدولارات).. السيدة نغزة لا تقترح في هذيانها اللامتناهي للدولة إلا اللعب مجددا بـ’المونوبولي’، بمال الشعب لصالح أوليغارشيين آخرين”.

1