وكالة الأناضول تفشل في احتواء خسارة أردوغان للمدن الكبرى

الحكومة التركية تسيطر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على 95 بالمئة من وسائل الإعلام في البلاد، لكن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا في وقت الانتخابات.
الأربعاء 2019/04/03
ضغط الحكومة يفقد الإعلام أية مصداقية

الانحياز التام لحزب العدالة والتنمية خلال فترة الانتخابات البلدية ليس الخطأ الوحيد الذي ارتكبته وكالة الأناضول التركية بحق الجمهور، إذ مارست عدة أخطاء مهنية تتمثل بتغييب المعارضة والتعتيم على نشاطاتها، لتجد نفسها في موقف محرج عند صدور نتائج الانتخابات فتعمّدت عدم إظهار فوز المعارضة في بداية الأمر، قبل أن تضطر للاعتراف بالهزيمة.

أنقرة- فشلت وكالة الأناضول التركية التي تديرها الدولة مرة أخرى في نشر نتائج عادلة وحقيقية عن الانتخابات البلدية التي أجريت الأحد وانتهت بفوز المعارضة في أهم المدن التركية، وهزيمة مدوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، الأمر الذي وضع الأناضول في اختبار المهنية لكنها فشلت فيه، وفي ذلك انتهاك لحقوق الشعب التركي في الوصول إلى الأخبار الصحيحة.

ولم تكن الأناضول وهي تحت وطأة الضغط الحكومي، مصدرا إخباريا مفيدا للمراسلين أو وسائل الإعلام العالمية عندما تعمدت عدم إظهار فوز المعارضة في بداية الأمر، مما يؤكد أهمية مصادر الأخبار المستقلة في بلد بذلت فيه الحكومة كل جهودها لمحاربة الصحافة المستقلة والسيطرة عليها، مرة عبر المحاكمات والاتهام بالدعاية الإرهابية للصحافيين ووسائل الإعلام، أو مصادرتها وضمّها إلى مجموعات إعلامية كبرى خاضعة لهيمنة رجال أعمال مقربين من الحكومة وتربطهم معها علاقات تجارية.

وافتقدت الانتخابات التركية للشفافية والنزاهة بشدة، وجرت في ظل ظروف غير نزيهة يستغل فيها رئيس البلاد رجب طيب أردوغان جميع موارد الدولة وقوتها العاملة، إلى جانب الأسلحة الدعائية الإعلامية للمحطات العامة والخاصة.

وانعكس الخطاب الشعبوي للرئيس التركي بتخوين الآخر على تغطية الأناضول الإخبارية للانتخابات، إذ تعمدت تغييب نشاط المعارضة والتركيز على أخبار مرشحي حزب العدالة والتنمية.

لكن التحيز الواضح لحزب العدالة والتنمية، لم يكن أكبر أخطائها، إذ دخلت في فخ التضليل حين أوقفت تدفق البيانات الجديدة عن إسطنبول في الوقت الذي أعلن فيه مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في إسطنبول بن علي يلدريم فوزه قبل الأوان.

ويقول الكاتب التركي ذوالفقار دوغان “الاستراتيجية التي اتبعها أردوغان في هدم الديمقراطية وتأسيس نظامه الشخصي في البلاد تمثَّلت أساسًا في الخطابات التي أعلنت ممثلي المعارضة السياسية والمدنية ‘خونة’ و’غير وطنيين’، والسياسات التي عمّقت الانقسام والاستقطاب الاجتماعي، لتصير لغة التهديد خلال وقت قصير العمود الفقري لسياسته الداخلية والخارجية معًا”.

تمرد على الإعلام من أجل الدعاية
تمرد على الإعلام من أجل الدعاية

وتحدث دوغان في مقال لموقع “أحوال تركية”، عن التقارير المنحازة، عندما تلاعبت صحيفة حرييت التابعة لمجموعة ديميرورن الإّعلامية المؤيدة للحكومة، بتعليقات الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد سيزاي تيميلي

وانتقدت مجموعة أوروبية تراقب الانتخابات المحلية في تركيا قيودا على حرية تعبير المواطنين والصحافيين. وأكد أندرو دوسون، رئيس بعثة مراقبة المجلس الأوروبي المكونة من 22 عضواً، التي يقوم بها كونغرس السلطات المحلية والإقليمية التابع لمجلس أوروبا، حاجة المواطنين إلى التعبير عن آرائهم دون خوف من رد انتقامي من جانب الحكومة.

ووجّه داوسون انتقادات لحكومة أردوغان بشأن الحملات الانتخابية، وعدم حصول المرشحين كافة على الفرص نفسها من التغطية الإعلامية، مؤكدا أن الانتخابات لم تكن ديمقراطية.

وتسيطر الحكومة التركية حالياً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على 95 بالمئة من وسائل الإعلام في البلاد، لكن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في وقت الانتخابات.

وتوقع الكاتب مارك بنتلي بالرغم من الحملة الانتخابية القوية التي شملت عشرات المدن في جميع أنحاء البلاد ووسائل الإعلام المؤيدة، فإن أردوغان وحزبه يستعدان لخسارة السيطرة على الإدارة بعد أزمة العملة في العام الماضي، بحسب ما ذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة “جمهورييت” التركية المعارضة، نقلًا عن بيان للمسؤول الأوروبي أصدره حول انطباعاتهم عن العملية الانتخابية في تركيا.

واستمرت خروقات الإعلام التركي لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم، حتى خلال فترة الصمت الانتخابي، الذي يستند إلى قانون حظر الدعاية الذي أعلنته الهيئة العليا للانتخابات قبيل انطلاق أعمال التصويت.

وحسب صحيفة “إي.بي.سي جازاتاسي”، استمرت التيارات المؤيدة للحزب الحاكم في الدعاية للحزب مستخدمة شعارات العدالة والتنمية باستعمال مكبرات الصوت أمام اللجان، فيما لم تتوقف وسائل الإعلام الموالية عن الدعاية للرئيس السابق للبرلمان التركي ومرشح العدالة والتنمية عن بلدية إسطنبول بن علي يلدريم.

وقامت قناة “كنال 7” الموالية للنظام التركي، صباحا بإذاعة فيلم “بينالي” (بن علي يلدريم) كوسيلة لاختراق حظر الدعاية وكسب الأصوات لصالح مرشحها. وذلك رغم أن اللجنة العليا للانتخابات أعلنت حظر الترويج للأحزاب منذ بدأ التصويت ببعث رسائل مكتوبة وصوتية ومرئية إلى الهواتف الأرضية والمحمولة والبريد الإلكتروني للمواطنين.

الخطاب الشعبوي للرئيس التركي بتخوين الآخر انعكس على تغطية الأناضول الإخبارية للانتخابات إذ تعمدت تغييب المعارضة

لكن أنصار العدالة والتنمية استمروا في التجول بالسيارات الانتخابية واستخدام الشعارات الداعمة للحزب باستعمال مكبرات الصوت أمام اللجان في جميع أرجاء تركيا دون الامتثال لحظر الدعاية الانتخابية أثناء سريان الانتخابات.

وليست المرة الأولى التي يتم فيها توظيف وسائل الإعلام التركية من أجل الترويج للحزب الحاكم، ففي 12 مارس الماضي كشف عضو المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون عن حزب الشعوب الديمقراطي عصمت دمير دوان عن تخصيص التلفزيون الحكومي “تي.آر.تي” طوال شهر فبراير التغطية الإخبارية لصالح العدالة والتنمية، دون إفساح المجال لأي من الأحزاب المعارضة.

وكشف التقرير الذي أعده حزب الشعوب الديمقراطي، قيام القناة الرسمية للدولة “تي.آر.تي” بتخصيص 53 ساعة و30 دقيقة خلال تلك الفترة لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، فيما خصصت 14 ساعة فقط لحزبي الشعب الجمهوري والخير، بينما لم تخصص أيّ مساحة مطلقا لحزب الشعوب الديمقراطي.

وعكس التقرير الوضع السيء الذي يعانيه الإعلام التركي قبيل الانتخابات المحلية والضغوط التي تمارسها الحكومة التركية حيال الأحزاب والفصائل المعارضة، وكشف عن الإهمال التام من قِبل وسائل الإعلام التركية للحزب الكردي وأعضائه، وعدم استضافة أي من أعضاء الحزب في البرامج التي تتعلق بمناقشة مسائل تخص الحزب الذي ينتمون إليه.

18