وكالات الأنباء بحاجة إلى ضمان للاستمرار في عصر مجانية المعلومة

أكادير (المغرب) – أصبحت الصحافة التقليدية، ومن ضمنها وكالات الأنباء، مضطرة للتكيّف السريع وإعادة الابتكار في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، مع الحفاظ على معايير الجودة والموثوقية والمصداقية. وفق ما أكد خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء.
وأضاف “بالتأكيد، لم نعد نحن الأسرع، ولم نعد نتوفر على الطابع الحصري للخبر والتعبير. ولكن مهنتنا لم تختف، فهناك حاجة مستمرة للبحث عن الخبر والتحقق منه ووضعه في سياقه. وهي مهمة حصرية يقوم بها الصحافيون المهنيون”.
وجاءت تصريحات الإدريسي خلال فعاليات الجمعية العامة لرئاسة رابطة وكالات أنباء البحر الأبيض المتوسط التي أنهت أعمال جلستها السادسة والعشرين، الأربعاء، بتسلم المغرب رئاسة الرابطة لمدة سنة.
واعتبر الإدريسي أن الفرصة مواتية للتأقلم على وجه السرعة مع الثورة التكنولوجية، والتنوع والمرونة، مؤكدا أنه بات من الضروري إحداث تغيير “ليس فقط على مستوى التكنولوجيا ولكن أيضا على مستويي الفلسفة والعقلية”.
وأشار إلى “أن الخبر الذي يتمتع بالجودة مكلف. ويتعيّن إرساء سلسلة قيمة من أجل تأمين هذا الملك غير المادي”.
وتوفر وكالة المغرب العربي للأنباء عرضا للمواقع الإخبارية الإلكترونية، على مستوى المنتجات الجديدة كالرسوم البيانية وتسجيلات الفيديو على سبيل المثال، وأشار الإدريسي في هذا السياق إلى إطلاق مشروع طموح هذا العام للتأقلم مع ثورة شبكات التواصل الاجتماعي.
واعتبر أنه بات من الضروري ضمان نموذج اقتصادي عملي قابل للاستمرار بالنسبة إلى وكالة الأنباء في مواجهة مجانية المعلومة على الإنترنت والتشريع من أجل تقنين هذا العالم في مواجهة المخاطر لا سيما ما يتعلق بالأخبار الزائفة، وهي مهمة انكبت عليها حاليا العديد من البلدان بمساعدة كبريات المنصات على الإنترنت.
وانطلقت أشغال جلسة المناقشات العامة للجمعية العامة للرابطة بحضور ممثلين عن الوكالات الأعضاء في الرابطة وهي: تركيا والمغرب وفرنسا وموريتانيا واليونان وإيطاليا والجزائر وألبانيا وقبرص وإسبانيا وكرواتيا والبرتغال ومصر ولبنان وسوريا وفلسطين، والعديد من الشركاء والمراقبين، ومن ضمنهم مدراء عدد من الهيئات الأعضاء في الفدرالية الأطلسية لوكالات الأنباء الأفريقية.
وقال جورج بينينتاكس إن هذه الدورة تطرقت إلى “الكثير من الظواهر التي يتعرض لها الإعلام وعلى رأسها تحديات الشبكات الاجتماعية وكيفية التعامل مع هذا النوع الجديد من الإعلام في هذا العالم الصعب والمتسارع الأحداث”.
|
وأضاف أن رابطة وكالات أنباء البحر الأبيض المتوسط، “أمامها تحديات تنوع واختلاف الثقافات في هذه المنطقة التي تضم فسيفساء من الثقافات من دول من أوروبا وكذلك من شمال أفريقيا والشرق الأوسط”.
بدورها تناولت أنتيغوني ثيميستوكيلوس من الهيئة القبرصية للتقنين والسمعي البصري، موضوع حقوق التأليف في مجال الصحافة كرهان كبير أمام تدفق وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت إن السرعة والتفاعل اللذين يطبعان الإنتاج والنشر حاليا يطرحان إشكالية حقوق التأليف والنشر، وخاصة بالنسبة إلى وكالات الأنباء.
وأشارت المتحدثة إلى التحديات والمخاطر وكذلك الفرص التي تتيحها ثورة الإنترنت في مجال حماية المضمون، مبرزة أن هذا النقاش يطرح بقوة مسألة التقنين أو التقنين الذاتي، وهو أمر جوهري من أجل ضمان بقاء وكالات الأنباء.
وقد حرصت وكالة المغرب العربي للأنباء، التي بادرت إلى إطلاق هذا النقاش، على أن تشرك فيه مهنيين اثنين من وسائل الإعلام الجديدة يديران وكالة “دي1 سوسيال”، حيث ركزا في عرضهما على العلاقة بين شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية في زمن ثورة الهواتف الذكية والبحث عن الترفيه والمعلومة انطلاقا من أداة واحدة.
وأوضحا أن “استهلاك المعلومة بات سريعا على نحو متزايد، وذا طابع فردي ويتلاءم مع الحاجيات”.
وشددا على أن تعدّد الوسائل التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى زحزحة مستقبل وسائل الإعلام التقليدية بشكل جدّي. واعتبرا أنه بدلا من النظر إليها كـ”عدو”، فإن وكالات الأنباء لديها الاختيار للاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك ويوتيوب وإنستغرام وباقي التطبيقات الأخرى من أجل تلقي الأخبار ومقارنتها وتقاسمها مع فئة عريضة مع الحرص على طبعها بطابع المصداقية والدقة اللصيق بمهنة الصحافي، مع تكييفها من حيث الشكل والتحرير، مع حاجيات وانتظارات القراء الجدد.
ويمكن “بدل اعتماد علاقة صراع، ينبغي إدماج هيئات الإنترنت العملاقة وشبكات التواصل الاجتماعي وإثارة اهتمامها من خلال مضمون يمكنها من الاستفادة من خبرة وتجربة وكالات الأنباء، مع الاستفادة أيضا من الفرص التي توفرها شبكات التواصل الاجتماعي سواء على المستوى المهني أو تأمين الإيرادات”.
وقدّم مصطفى السحيمي أستاذ القانون والمحلل السياسي والمحامي تحليلا أكاديميا بناء على توصيات تقرير حديث لمعهد رويترز للصحافة حول الإعلام الرقمي (جامعة أوكسفورد) تؤكد التحوّلات العميقة للمشهد الإعلامي التي تسببت فيها الثورة الرقمية. وأظهر أن التكيّف والبقاء وإعادة الهيكلة تشكل تحديا بالنسبة إلى وكالات الأنباء التي دعاها إلى التجدّد وإعادة الهيكلة.
وأشار السحيمي إلى أن حالة المغرب لا تشكل استثناء على هذا المستوى، موضحا أن بحثا أجرته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في مايو الماضي أبرز تأثير التحوّلات المتتالية على تقدّم الهواتف الذكية.
وأوضح أنه بعد عشر سنوات من تعميم شبكة الإنترنت كدعامة جديدة للمعلومة، باتت وسائل الإعلام، ومن ضمنها وكالات الأنباء، تواجه بشكل متزايد قطيعة جديدة في مواجهة الهواتف الذكية وشبكات التواصل.