وكالات الأنباء الخليجية أمام تحدي كسر جمود المحتوى بعد إطلاق تطبيق موحد

في خطوة لتعزيز التكامل الإعلامي بين دول مجلس التعاون الخليجي تم إطلاق تطبيق موحد يجمع وكالات أنباء هذه الدول لتسهيل وصول محتواها إلى سكان هذه الدول، غير أن طموحها للتأثير وصناعة الرأي العام يحتاج إلى خطوات أكبر تتعلق بمحتوى متطور بعيد عن جمود البيانات الرسمية.
الكويت - أطلقت وكالات الأنباء الخليجية تطبيقا موحدا بشكل تجريبي لتسهيل الحصول على المعلومة والأخبار الرسمية لمواطني دول مجلس التعاون بصفة مباشرة من هذه الوكالات، في خطوة متقدمة بالنسبة إلى التكامل الإعلامي، لكنها في حاجة إلى نقلة نوعية على مستوى تطوير وابتكار مضمون يكسر جمود البيانات الرسمية ونقل التصريحات التي تشكل غالبية محتوى الوكالات العربية عموما.
وتم تدشين التطبيق التجريبي على هامش الاجتماع الـ28 لوزراء الإعلام لدول مجلس التعاون، الذي عقد في الكويت الاثنين، وأشادت وسائل الإعلام القطرية بشكل واسع بهذه الخطوة على اعتبار أنها من قدمت المقترح الذي وافقت عليه الدول الخليجية، غير أن ما يحتاج إليه الجمهور أكثر من مجرد نقل الأخبار والخطابات والبيانات الرسمية والوعود بتقديم محتوى متميز بتقنيات مبتكرة وحديثة، والتي دأبت المؤتمرات والمنتديات الإعلامية العربية على تقديمها كل عام دون تطبيق على أرض الواقع.
وفي حين يفترض أن تكون الوكالات الرسمية مرجعا لوسائل الإعلام الدولية والوكالات الأجنبية التي تبحث عن إجابات أو توضيحات للأحداث المهمة لإحداث التغيير وصناعة الرأي العام، فإنها لا تقدم أكثر من تصريحات المسؤولين وبيانات مقتضبة لا تتضمن حقائق وردودا لما يبحث عنه الرأي العام.
ويقدم التطبيق المشترك محتواه باللغتين العربية والإنجليزية، وله خاصية تجميع أخبار دول المجلس في موقع موحد لتسهيل الحصول على المعلومة والأخبار الرسمية، إضافة إلى بث النشرات الإخبارية.
ويوفر بثا للقنوات التلفزيونية الرسمية والإذاعية والصحف، ويتضمن مساعدا افتراضيا يلبّي طلبات المتصفح من تقارير وأخبار متنوعة، ويتيح لمتابعي وكالات الأنباء في دول مجلس التعاون فرصة التعرف على أهم الأحداث الإقليمية والدولية.
ويدعم التطبيق الذكاء الاصطناعي، لتعزيز جودة وسرعة نقل الأخبار، وتحقيق التكامل الإعلامي بين دول المجلس، لكن في الواقع فإن ميزات التطبيق تخدم سرعة وسهولة الوصول إلى محتوى الوكالات لكامل دول مجلس التعاون دون أن يغير شيئا في المضمون أو المحتوى.
ويوفر خدمة سحب البيانات من المصادر المختلفة لوكالات الأنباء بدول مجلس التعاون الخليجي واستيرادها داخل قاعدة البيانات، لتتمكن كل دولة من الوصول إلى لوحة المشرفين المسموح لهم بالدخول إليها.
ويقول متابعون إن دور الوكالات محصور برؤية تعتمد على الترويج ونقل صورة إيجابية عن الجوانب الرسمية، بينما تبدو شبه غائبة في الأحداث المهمة التي تحتاج الخروج عن الدور الرسمي والبيانات الحكومية. إذ تعتمد وسائل الإعلام المحلية على وكالات الأنباء الحكومية في نقل وجهة النظر الرسمية، خصوصا في الأوقات الحرجة والأزمات.
ويتطلب تطوير عمل الوكالات جهودا أكبر بكثير من مجرد جمعها في تطبيق واحد، لتحسين أدائها في سوق المنافسة الإعلامية العالمية الذي أصبح قويا جدا، لجعلها تتساوى مع المعايير الدولية في عمل وكالات الأنباء الكبرى.
ويؤكد خبراء إعلام أن آلية العمل في غالبية وكالات الأنباء العربية متشابهة، وتحتاج إلى إحداث النقلات على مستوى المضمون والشكل والتقنية، وتغيير أساليب العمل وتحديث أدوات ووسائل العمل حتى تنسجم مع سوق الإعلام، الذي أصبح واسعا جدا وضاغطا ومؤثرا بشكل كبير على الرأي العام العربي.
وتزداد الهوة اتساعا بين الوكالات العربية والأجنبية عند الحديث عن تنويع المنتج الإخباري والمعلوماتي، مع تحول الوكالات الكبرى إلى الملتيميديا والإنتاج الإذاعي والتلفزيوني والاعتماد على مسألة الصور والتسويق، وتقديم الخدمات المتنوعة الاقتصادية والرياضية والسياحية وغيرها من الخدمات الإخبارية.
ويرى البعض أن التبعية الحكومية لوكالات الأنباء تدفع القائمين عليها إلى التهاون في مسألة تطوير الخطاب الإعلامي، باعتبار أن التمويل ضامن لاستمراريتها دون بذل جهود لتنويع الخدمات الإخبارية، والأخذ بعين الاعتبار عامل المنافسة مع وسائل الإعلام المستحدثة وظهور تقاليد جديدة في مجال الإخبار السريع وتلقي المعلومة.
وبحسب ما جاء في اجتماع وزراء إعلام دول الخليج، فإن الهاجس المشترك لها هو حملات التشويه والأخبار الكاذبة الممنهجة التي تتعرض لها، وهنا يقع دور هام على عاتق وكالات الأنباء.
وقال وزير الإعلام والثقافة الكويتي رئيس الاجتماع الـ28 لوزراء الإعلام لدول مجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن المطيري، أن التحديات الإعلامية التي تواجه دول المجلس “تتطلب منا تكاملا وتعاونا وثيقا أكثر من أيّ وقت مضى حيث لا تخفى عليكم الحملات الإعلامية الممنهجة والمعلومات المغلوطة التي تستهدف أمن دولنا وتنال من تماسك مجتمعاتنا وتسعى لبث الفتنة وإشاعة الفرقة بين شعوبنا، وهي حملات تأتي بأشكال مختلفة سواء عبر المنصات التقليدية أو منصات التواصل الاجتماعي لبث الشائعات وتضليل الرأي العام.”
وأضاف أن هذا الاجتماع يأتي في ظل متغيرات دولية متسارعة وتطورات إقليمية دقيقة “تستدعي منا جميعا المزيد من التكاتف والتنسيق والتكامل.”
التطبيق المشترك يقدم محتواه باللغتين العربية والإنجليزية، وله خاصية تجميع أخبار دول المجلس في موقع موحد لتسهيل الحصول على المعلومة والأخبار الرسمية
وأكد الوزير المطيري في كلمته في الاجتماع أن ذلك “يعكس المكانة الراسخة لمنظومة مجلس التعاون ويعزز دور إعلامنا الخليجي في مواكبة المستجدات ومواجهة التحديات.”
وأشار إلى أن الإعلام في عالم اليوم “أصبح عنصرا فاعلا في صياغة الاتجاهات وتشكيل الرأي العام والدفاع عن هويتنا الخليجية وأمننا واستقرارنا، ومن هذا المنطلق فإن تطوير العمل الإعلامي الخليجي المشترك يمثل أولوية أساسية وضرورة إستراتيجية تفرضها طبيعة التحديات الراهنة وفي مقدمتها تسارع التحول الرقمي وانتشار المعلومات.”
وأضاف “حققنا خطوات ملموسة في تطوير آليات التعاون الإعلامي” معربا عن الأمل أن “يشكل اجتماعنا هذا محطة جديدة لتعزيز هذه المسيرة من خلال دعم المبادرات والمشاريع المشتركة وتوحيد الرسائل الإعلامية وتكثيف مجالات التعاون في التدريب والتشريعات والتقنيات الإعلامية الحديثة.”
وجدّد التأكيد على أهمية الدور الملقى على عاتق الإعلام الخليجي بتقديم المعلومة الصادقة ونقل الحقيقة وتعزيز وعي المجتمعات “بما يعكس مواقفنا المبدئية ويجسد قيم التضامن والدفاع عن قضايا أمتنا العادلة،” مضيفا “جهودكم المباركة” ستسهم في تعزيز الحضور الخليجي في الفضاء الإعلامي الإقليمي والدولي و”فتح آفاق أوسع للتعاون الإعلامي بين دولنا بما يواكب طموحات شعوبنا وتطلعات قياداتنا.”
من جهته، قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي في كلمته أنه في ظل ما يشهده العالم من تحولات إعلامية وتقنية متسارعة، فهذا “يتطلب منا مواكبة هذه التطورات من خلال توسيع أفق التكامل والتعاون بين مؤسساتنا الإعلامية الخليجية وبناء شراكات مع المنصات الإعلامية الإقليمية والدولية الكبرى لتكون لدول المجلس كلمة مؤثرة وصورة عادلة في المحافل العالمية.”
وأكد أهمية تكثيف الجهود المشتركة للتصدي لهذه الحملات العدائية ومواجهة الحسابات الوهمية والمسيئة التي تستهدف وحدة الصف الخليجي، مشيدا بالجهود الكبيرة والقيمة للدول الأعضاء في دعم المبادرات والمشاريع الإعلامية الخليجية التي تهدف إلى التوعية والتثقيف وتعزيز الهوية الخليجية المشتركة وإبراز منجزاتها.