وقف صحافة الفيديو ضربة قاصمة للصحف المصرية في مواجهة الشبكات الاجتماعية

فوجئ جمهور المواقع الإلكترونية في مصر قبل أيام بتوقف خدمة البث المباشر، والتي كانت الأكثر حضورا على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدا موقع فيسبوك من خلال تقنية فيسبوك لايف، وتخلت كل المواقع الرقمية عن تقديم صحافة الفيديو حاليا.
القاهرة - كشفت مصادر إعلامية مصرية لـ”العرب” أن قرارا صدر من دوائر حكومية تشارك في إدارة المشهد الإعلامي عبر توجيهات (تعليمات) شفوية وصلت إلى رؤساء تحرير الصحف الورقية والإلكترونية في مصر، يقضي بوقف خدمة البث المباشر إلى إشعار آخر، وعدم تقديم محتوى صحافي عبر تقنية الفيديو بعد فوضى شهدتها بعض المواقع مؤخرا.
وقالت المصادر ذاتها إن بعض الصحف الإلكترونية قامت ببث مباشر من الشارع عقب تحريك أسعار مشتقات البترول خلال إجازة عيد الأضحى، تضمنت عبارات حملت توصيفات مسيئة إلى الحكومة وبعض رموز السلطة دون أن تقوم المواقع بفلترتها أو تنقيحها من الهجوم الخارج عن النص من جانب مواطنين غاضبين.
ووافق مجلس الوزراء الأربعاء الماضي على قيام الحكومة بوضع قواعد للتصوير في الأماكن العامة، تضمنت حتمية الحصول على تصريح مسبق بالتصوير لأغراض التصوير السينمائي والتلفزيوني والوثائقي والتجاري والمهني والحواري والصحافي والإعلامي والإعلاني والاحترافي.

حسن مكاوي: توقف صحافة الفيديو سيجلب خسائر للكثير من الصحف
وربط صحافيون بين قرار الحكومة والتعليمات التي صدرت للصحف بمختلف أنماط ملكيتها بأن يكون التصوير الصحافي والإعلامي، ومن بينه البث المباشر، بناء على تصريح مسبق، ولو كان ذلك في الشوارع والميادين، أو حوارات جانبية مع مواطنين، بعد حالة الانفلات الأخيرة التي شهدتها بعض المواقع.
ومن غير المتوقع شمول القرار الشفوي الذي صدر للمواقع والصحف الأفراد العاديين الذين يقدمون تقنية البث المباشر على شبكات التواصل الاجتماعي، باعتبار أن قرار الحكومة بشأن التصوير أباح التصوير الشخصي ولو بكاميرات الفيديو من دون اشتراط الحصول على تصاريح مسبقة أو سداد رسوم نظير هذا العمل.
وتوقع متابعون أن تستحوذ منصات التواصل على الكعكة الأكبر من البث المباشر، لتحقق المزيد من المكاسب على حساب الصحف والمواقع الإلكترونية التي حُرمت منها، ما يضيف مزايا جديدة إلى نفوذ وجماهيرية الشبكات الاجتماعية مقابل سحب البساط من الإعلام التقليدي.
ويعتقد هؤلاء أن الحكومة لا يمكن لها السيطرة على تقنية البث المباشر التي يقدمها الأفراد متصفحو منصات التواصل وهواة التصوير، في حين أنها تستطيع بسهولة إحكام قبضتها على المحتوى الذي يُقدم من خلال الصحف والمواقع، لأنها تمتلك النسبة الأكبر من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها من خلال تبعية الشركة المتحدة للإعلام لها، والتي تملك العديد من المواقع والصحف والفضائيات.
وأقصى ما يمكن فعله مع الصفحات التي تقدم تقنية البث المباشر على منصات التواصل إذا قدمت محتوى مسيئا أن يقوم المجلس الأعلى للإعلام بحجبها لفترة وفق ما ينص عليه قانون إنشاء المجلس، حيث يتعامل مع أي حساب يتجاوز عدد متابعيه خمسة آلاف شخص على أنه منبر إعلامي.
ومن شأن وقف صحافة البث المباشر في الصحف المصرية، أن تتعرض لخسارة قاعدة جماهيرية كبيرة، إضافة إلى الخسائر المادية وتراجع معدلات المتابعة، حيث استطاعت بعض الصحف تحقيق مشاهدات مرتفعة على صفحاتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي عبر التقنية التي تضاعف عدد متابعيها.
ويُحسب على الكثير من المواقع المصرية أنها اهتمت بتوسيع قاعدة المتابعة الجماهيرية لها من خلال البث المباشر ولم تقدم إلى الصحافيين المكلفين بالعمل في هذه الأقسام تدريبات تؤهلهم ليكونوا على قدر كافٍ من الاحتراف.
صحافيون ربطوا بين قرار الحكومة والتعليمات التي صدرت للصحف بمختلف أنماط ملكيتها بأن يكون التصوير الصحافي والإعلامي، ومن بينه البث المباشر، بناء على تصريح مسبق
وسيطرت العشوائية على طريقة تقديم الكثير من المحتويات الصحافية عبر تقنية البث المباشر في العديد من الصحف والمواقع، فلم يكن هناك انتقاء للصحافيين الأكثر كفاءة للقيام بتلك المهمة الصعبة، بل إنه كان إلزاميا على كل صحافي – في مواقع بعينها – أن يقدم بثا مباشرا عن أي قضية أو ملف.
وقال صحافي يعمل في مؤسسة صحافية خاصة لـ”العرب” إن “المسؤولين عن إدارة الموقع لم يكترثوا بما يتم تقديمه بالبث المباشر، المهم أن يكون الموضوع جذابا ويحقق نسب مشاهدات عالية، ويجلب عوائد مادية بزيادة النسبة التي يتم الحصول عليها من إدارة فيسبوك وبلا مراجعة للمحتوى أو البث”.
وأضاف الصحافي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الكثير من المواقع تعتمد في تقنية البث المباشر على صحافيين مبتدئين، أي تحت التمرين، يتم توزيعهم في الشوارع والميادين لالتقاط موضوع أو قضية شائكة أو حدث غريب أو لقاء مع شخصية مثيرة، المهم أن يجذب البث متابعي شبكات التواصل ويحقق عائدا ماليا.
وتستفيد الصحف من تقنية البث المباشر في تحقيق الانتشار على الشبكات الاجتماعية بأكثر من وسيلة، فهي تنشر البث ثم التصريحات التي أدلى بها الضيوف لصناعة أخبار مكتوبة، وفي مرحلة لاحقة تقوم بتثبيت الفيديو على الموقع لعرضه للجمهور الذي لم يشاهده في أثناء وقت البث وبالتالي تكون المكاسب مضاعفة.
وتسببت تلك التقنية في تدني المحتوى الصحافي المقدم عبر الكثير من المواقع الإخبارية، لأنها اعتمدت بشكل أكبر على تقديم خدمة سهلة وبسيطة دون الاهتمام برصانة وقيمة ومهنية الخدمة المعلوماتية، فصارت أغلب المحتويات بلا قيمة، وتعتمد فقط على العناوين المثيرة والجذابة لاستقطاب جمهور المنصات الاجتماعية لا أكثر.
ومثلت صحافة الفيديو بالنسبة إلى العديد من المواقع الإخبارية فرصة ثمينة للتغلب على المحتوى التقليدي المكتوب الذي يتم تقديمه إلى الجمهور، فهو إما بيانات صحافية، أو موضوعات وتقارير أغلبها عبارة عن تمجيد للحكومة والإشادة بإنجازاتها، في ظل اصطفاف إعلامي خلف الحكومة وتضييق الخناق على صحافة الجريمة والإثارة.
صحافة البث المباشر في الصحف المصرية معرضة لخسارة قاعدة جماهيرية كبيرة
ويقطع وقف صحافة الفيديوالأمل الأخير أمام المواقع الإخبارية لمنافسة منصات التواصل الاجتماعي، أو جذب الجمهور الناقم على المحتوى الصحافي النمطي، ما يمهد لخسارة الصحف للعديد من المتابعين الذين انجذبوا إليها في السنوات الأخيرة، على وقع الإثارة المقدمة في البث المباشر.
واتهم هؤلاء إدارات بعض الصحف والمواقع بأنها السبب فيما وصل إليه الحال من حجب الحكومة للمحتوى المقدم عبر تقنية البث المباشر، لأنها استسهلت التحول من صحافة النص إلى المشاهدة دون ضوابط ومعايير وأسس مهنية حتى أصبحت منفلتة واهتمت بالإثارة فقط، ما أوقعها في كوارث مهنية استدعت وقفها.
وأكد حسن مكاوي أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة أن مشكلة بعض الصحف أنها ركزت جهودها على مجاراة التكنولوجيا واستقطاب جمهور المنصات على حساب الموضوعية، فلم تقدم محتوى جادا ولم تُدرك أن صحافة الفيديو أقرب إلى برامج تلفزيونية بحاجة إلى صحافي يمتلك مهارات، لا موظف يؤدي مهمة جذب الناس.
وأوضح لـ”العرب” أن توقف صحافة الفيديو سيجلب خسائر للكثير من الصحف لأن البث المباشر أحد مصادر قوة الصحافة المعاصرة، ولا غنى عن استخدام الإعلام التقليدي لنظيره الرقمي حتى لا تصبح منصات التواصل الإعلام البديل، لكن المهم قبل وضع قواعد يحتكم إليها الجميع، أن تكون هناك مسؤوليات وقواعد للمحاسبة.
وظلت صحافة الفيديو في مصر بلا هوية أو جهة تحدد آليات تنظيمها، ولا أحد يعرف بالضبط حدود وصلاحيات الهيئات والكيانات الإعلامية بخصوصها، فهناك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الصحافيين والهيئة الوطنية ونقابة الإعلاميين، وكلها جهات تتشابك مع إعلام البث المباشر ولم تتدخل لتنظيمه فانقطع البث عن الجميع.