وفرة الاختيارات تحد يرهق المترددين ويؤثر على مستقبلهم

بالرغم من توفر العديد من الخيارات في حياتنا اليومية أكثر من أي وقت مضى، وبينما نفترض أن تعدد الخيارات يحررنا، إلا أنه غالبا ما يشعرنا بالإرهاق.
السبت 2019/06/22
شلل الاختيار

واشنطن- أظهرت الأبحاث أننا لسنا مستعدين للتعامل مع وفرة من القرارات، ولاحظ باحثون استخدموا التصوير بالرنين المغناطيسي لرصد أدمغة المشاركين في دراسة حديثة، المزيد من النشاط عندما كان عليهم اختيار عنصر من 12 مقارنة بمجموعة خيارات أكبر. في مواجهة العديد من الخيارات، لم تكن أنشطة أدمغة المشاركين مرتفعة.

وخلص الباحثون إلى أنه بالرغم من توفر العديد من الخيارات في حياتنا اليومية أكثر من أي وقت مضى، وبينما نفترض أن تعدد الخيارات يحررنا، إلا أنه غالبا ما يشعرنا بالإرهاق.

وأبرز عالم النفس الأميركي باري شوارتز ما أسماه “مفارقة الاختيار” في كتابه الصادر في العام 2004 والذي يحمل نفس الاسم، وقد أدرجت أسماء مختلفة لهذا النوع من الشلل. وفي مقدمة الكتاب أشار المؤلف إلى أن توفر الخيارات يحسن من جودة الحياة.

وذكر مثال مدينة تجتمع فيها عدة مطاعم تقدم قائمة أكلات مختلفة مبينا أن الحياة ستكون أفضل هناك، لكنه أضاف أن لكثرة الخيارات تأثيرا سلبيا. ويسمي بعض الخبراء هذه الظاهرة بـ”الاختيار الزائد” أو “وفرة الاختيارات”. يبدو المصطلح جذابا رغم أنه يصف مشكلة ذات تأثير حقيقي مضر بحياتنا.

 يوضح كولن كاميرر، مؤلف مشارك في دراسة التصوير بالرنين المغناطيسي وأستاذ في علم الاقتصاد السلوكي في معهد كاليفورنيا للتقنية، أن الخوف من اتخاذ القرارات يشلّ عملية الاختيار مما يشعرك بأنك لم تختر الاحتمال الأفضل حتى ولو كان ذلك خاطئا.

يرتكب الشخص خطأ شائعا آخر في عدم اكتشاف ما يريده قبل درس الخيارات المتاحة أمامه وبمجرد أن تكون هذه الخيارات أمامه

 كما يؤجل اتخاذ خيارات مهمة مثل اختيار العمل أو الشريك. ويبقى بعض الناس بطبيعة الحال أكثر عرضة لهذا النوع من الخوف مقارنة بغيرهم، إذ يقسّم علم النفس الأشخاص إلى فئتين: أولئك الذين يبحثون حتى يجدوا خيارا يكفي لتلبية معاييرهم الأساسية، وأولئك الذين يرغبون في العثور على أفضل خيار.

ويميل المنتمون إلى المجموعة الثانية إلى أن يخافوا من اتخاذ قراراتهم. تقول عالمة النفس إيلين بيترز إن أفراد هذه الفئة يواجهون عواطف سلبية بسبب مقارنة خياراتهم مع تلك التي لم يختاروها.

وأكدت المهندسة ميشيل فلوريندو من جامعة ستانفورد أنه بغض النظر عن طريقتك التي تتبعها في صنع القرار، فإنك يمكن أن تخفف بعض الاستراتيجيات من آلام الاختيار. وشاركت فلوريندو خططا لتسهيل عملية صنع القرار بناء على تدريبها على تحليل وهندسة القرارات، وأكدت أن هذه المهارة قابلة للتطوير. وتقول فلوريندو إن الخطوة الأولى للتغلب على الخوف من اتخاذ القرارات هي وضع خيار معين في سياق أكبر. وتوضح “يخاف الناس من اتخاذ القرار الخاطئ.

يعتقد العديد من الأفراد أن القرار السليم يؤدي إلى نتائج جيدة، لكنهم لا يفهمون أن النتيجة ليست مدفوعة بقرارنا فقط، بل بعوامل خارجية أخرى لا يمكننا التحكم فيها؛ الفيلم الذي لم يعجبك، الشقة الجديدة مع جيران غير وديين، العطلة التي هطل فيها المطر لمدة ستة أيام… عندما يحدث خطأ ما، ذكِّر نفسك بأنك لم تستطيع أن تعرف الصورة الكاملة في وقت مبكر”.

ويساعد هذا المنهج على التفكير في سيناريوهات لأسوء الحالات المحتملة. تضيف فلوريندو أن حدوث شيء سيء يبقى أمرا محتملا، “لكن ما هو القرار الذي ستتخذه بعد ذلك؟” وتبين المهندسة أن الأشخاص ينسبون قدرا كبيرا من الأهمية إلى الاختيار، ناسين أن هناك فرصا لاتخاذ قرارات جديدة بعد انتهاء تأثير هذا القرار.

ويرتكب الشخص خطأ شائعا آخر في عدم اكتشاف ما يريده قبل درس الخيارات المتاحة أمامه وبمجرد أن تكون هذه الخيارات أمامه، من السهل أن يتوجه نحو الخيارات التي تبدو أكثر جاذبية، من الشقة في الحي الأرقى إلى المواد التي ترى إعلاناتها في كل مكان، بغض النظر عما إذا كانت في الواقع ما تريده أو تحتاجه.

الخوف من اتخاذ القرارات يشلّ عملية الاختيار مما يشعرك بأنك لم تختر الاحتمال الأفضل حتى ولو كان ذلك خاطئا

يتيح تحديد ما يهمك ثم قياس كل خيار مقابل هذا تسهيل العملية، إذا بقيت عالقا، تقترح فلوريندو كتابة القرارات على الأوراق. وتفسر ذلك “بمجرد أن ترى الأشياء مكتوبة أمامك، تبدأ في معرفة ما تشعر به حقا”. إذا استطعت، فعليك أن تقرر في وقت يسبق بمدة كافية تنفيذ خططك. بالنسبة إلى القرارات الأصغر، تقترح بيترز الاختيار عشوائيا.

إذا كان ذلك صعبا، فحاول تطوير نظام لتضييق نطاق خياراتك. ويمكنك التخلص من جميع الخيارات الأقل جاذبية من المجموعة، على سبيل المثال، ثم الاختيار عشوائيا. ووجدت إحدى الدراسات أن إحدى الطرق الفعالة لاتخاذ القرارات هي التعامل مع العملية كدورة رياضية. تبدأ العملية مع تقسيم الخيارات إلى مجموعات، واختيار الفائز من كل مجموعة، ثم اختيار فائز من مجموعة المتسابقين النهائيين.

وإذا لم تكن راضيا عن النتيجة، فهذه نقطة مفيدة أيضا. تردف بيترز “غالبا ما نشعر بالقلق إزاء الخيارات القريبة من بعضها البعض، مثل الاختيار بين وظيفتين عندما تعتقد أنك ستكون سعيدا في أي منهما. عندما لا يقودك المنطق إلى أي حل، قد تصبح الغريزة العامل الحاسم في بعض الأحيان”.

وتضيف بيترز “عليك أن تسأل نفسك ما إذا كان القرار سيظل مهما بعد خمس سنوات من الآن. عادة ما تكون الإجابة المتعلقة بالعلاقات والمنازل والوظائف بنعم. لكن، هل ستهتم بأنك اخترت شريحة اللحم على شريحة الدجاج، أم بأنك اخترت السترة الزرقاء على السترة الحمراء؟ من المحتمل أن تكون منشغلا باختيار ما تريد مشاهدته على التلفزيون حينها”.

20