وعيد الثأر للبغدادي يؤجل إعادة الحياة إلى الباغوز

الباغوز (سوريا) – يحاول سكان الباغوز في شرق سوريا بعث الحياة من جديد في بلدتهم بعد عام على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية على يد قوات سوريا الديمقراطية.
ويجد سكان هذه البلدة السورية صعوبة في إعادة نسق الحياة إلى طبيعتها بعدما دمرت أجزاء كبيرة من البلدة المحاصرة بمخلفات الحرب.
وقبل عام خاض مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاركهم دفاعاً عن “الخلافة” وسط مخيم عشوائي مساحته بضعة كيلومترات مربعة في الباغوز.
وفي 23 مارس 2019، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية إثر معارك استمرت بضعة أشهر، حوصر خلالها مقاتلوه من جنسيات مختلفة من أوروبا ودول آسيوية وعربية، والآلاف من أفراد عائلاتهم في الباغوز، وهي بلدة صغيرة خطفت أنظار العالم تقع قرب الحدود العراقية في أقصى محافظة دير الزور.
وينهمك حماد الإبراهيم أحد سكان البلدة في إعادة إحياء أرضه هناك وزرعها بالقمح، لكن الكثير من الصعوبات تعترضه حيث بقيت مخلفات الجهاديين على حالها من هياكل سيارات محترقة وجعبات عسكرية وعبوات رصاص فارغة، إضافة الى حفر سكنتها عائلاتهم.
ويقول الإبراهيم، الذي تضم عائلته 75 فرداً من أبناء وأحفاد، من داخل المخيم “نصلح هذا الخراب لنزرع الأرض بالحنطة من أجل الخبز. نريد إحياء هذه الأرض”.
ويتنقل أحد أبنائه على متن جرافة لفتح طريق، بينما تنهمك نسوة بجمع الأشياء المبعثرة وحرق ما أمكن لتنظيف الأرض قبل حرثها.
لكن المهمة ليست سهلة مع الخشية من انفجار ألغام ومخلفات المعارك. ويروي الرجل المسن “وجدنا أسلحة مدفونة تحت الأرض، لكن ماذا عسانا نفعل؟ كيف نعيش؟”.
وأعلن التنظيم المتطرف في عام 2014 تأسيس “الخلافة الإسلامية” على مساحة تفوق 240 ألف كيلومتر مربع تمتدّ بين سوريا والعراق، تحكّم عناصره بمصائر سبعة ملايين شخص.
ونفذ مقاتلو داعش اعتداءات وحشية حول العالم، قبل أن تتقلّص مساحة سيطرتهم تدريجياً وتتوّج هزيمتهم بمقتل زعيمهم أبوبكر البغدادي ليل 26-27 أكتوبر في عملية عسكرية أميركية في محافظة إدلب (شمال غرب). وفي نهاية الشهر ذاته، أعلن التنظيم تعيين أبوإبراهيم الهاشمي القرشي خلفاً للبغدادي.
وبعد عام، لا تزال شعارات التنظيم شاهدة على حقبة مظلمة. على أحد الجدران، راية التنظيم مرسومة بالأبيض والأسود، وعلى آخر عبارة “الدولة تتقدم والأسوار تتقدم”.
ويحذر خبراء وقادة عسكريون من أن هزيمة التنظيم وتجريده من مناطق سيطرته لا تعني القضاء عليه نهائياً. وأطلقت قوات سوريا الديمقراطية العام الماضي بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن حملة لملاحقة عناصره المتوارين الذين يشنّون اعتداءات وعمليات اغتيال خصوصاً في شرق دير الزور، ويتبنى التنظيم تنفيذها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول المتحدث باسم مجلس دير الزور العسكري، المنضوي في قوات سوريا الديمقراطية، يعرّف عن نفسه باسم هارون “يحاول التنظيم الثأر لمقتل البغدادي ويستهدف بشكل عشوائي العسكريين والمدنيين”.
وتستهدف قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من التحالف، وفق المتحدث، “أوكار ومخابئ التنظيم” عن طريق الاعتقالات أو العمليات الميدانية أو عبر عمليات إنزال جوي.
وخلال الأشهر الماضية، عاد نحو نصف سكان الباغوز ليعيشوا فيها في ظل عدم توفّر الخدمات الرئيسية من كهرباء ومياه، وفق ما روى عدد منهم.
ولا تزال آثار القصف والمعارك واضحة على أبنية البلدة ومنازلها ومحالها المدمرة جزئياً أو بشكل تام، بينما اقتصرت أعمال الترميم على عدد محدود من الأبنية والمتاجر.
ووسط سوق البلدة المتواضع، تسير نساء منقّبات بخطى متسارعة ويلهو أطفال بالكرة بينما تمرّ دراجات نارية مسرعة بين الحين والآخر. وليس الدمار وحده ما ينغّص أهالي الباغوز، إذ يطاردهم داء اللشمانيا، وهو مرض طفيلي ينتقل عن طريق لدغات حشرة صغيرة صفراء تعرف بذبابة الرمل.