وعود الرئيس الجزائري الشعبوية تصطدم بالحقائق المالية

يفضل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون البحث عن شماعة لتعليق الإخفاقات الحكومية على مراجعة الخيارات التي ثبت عدم جدواها، وهو ما انعكس بشكل سلبي على استقرار الجهاز الحكومي.
الجزائر - أنهى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مهام وزير المالية والوزير المنتدب المكلف بالإنتاج الصيدلاني، في خطوة فاجأت المتابعين، خصوصا وأن الإقالة أتت بعد نحو ثلاثة أشهر فقط على تعديل وزاري.
وكرست الخطوة حالة عدم الاستقرار داخل الجهاز الحكومي، الذي استغرق الرئيس الجزائري من أجله شهرين عقب انتخابه لولاية رئاسية ثانية، في التنقيب والبحث عن كفاءات بشرية قادرة على تنفيذ برنامجه الانتخابي.
وفي بيان مقتضب لرئاسة الجمهورية لم يحمل تفاصيل كثيرة، جاء فيه أن “رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون قرر إنهاء مهام السيدين لعزيز فايد وزير المالية، وفؤاد حاجي وزير منتدب لدى وزير الصناعة مكلف بالإنتاج الصيدلاني، وعين خلفا لهما السيد عبدالكريم بوالزرد، وزيرا للمالية، والسيد وسيم قويدري، وزيرا للصناعة الصيدلانية”.
وقبل توليهما المنصبين الوزاريين، كان بوالزرد يشغل منصب الأمانة العامة لوزارة المالية، فيما يتولى قوديري، وهو طبيب، منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة “صيدال” الحكومية لصناعة الدواء.
ولم يوضح البيان الرئاسي الأسباب الحقيقية لإقالة الوزيرين بشكل مفاجئ. وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها تبون عن قرار إقالة وزراء بشكل مفاجئ دون تقديم مبررات لذلك، وفي أحسن الأحوال كانت بيانات الرئاسة المقتضبة تتحدث عن “خطأ جسيم”، دون تقديم أي تفاصيل أخرى، الأمر الذي يفتح الأمر أمام التأويلات والتكهنات في تعليل قرارات الرئيس الجزائري.
وتزامن قرار الاستغناء عن خدمات وزير المالية مع حالة اللغط السائدة بسبب المنحة السياحية التي لم تدخل حيز التنفيذ إلى حد الآن، رغم أن المجلس الوزاري الذي انعقد في ديسمبر الماضي كان قد قرر رفع المنحة المذكورة من 95 يورو إلى 750 يورو، وألف دولار للحجاج، بداية من دخول العام الجديد، غير أن العملية لا تزال معطلة إلى حد الآن لأسباب مجهولة.
وذكر مصدر مطلع بأن الوزير لعزيز فايد لم يوف بالوعود والتطمينات التي أطلقها للرئيس تبون في اجتماع مجلس الوزراء المذكور حول تعبئة المبلغ المالي المنتظر وتهيئة الإمكانيات البشرية واللوجستية لدخولها حيز التنفيذ بداية من العام الجديد (2025).
الحضور اللافت للمستشار ومدير الإعلام الرئاسي في رئاسة الجمهورية كمال سيد سعيد، بات نموذجا مكرسا لدور المستشارين
وأضاف المصدر أن “مصداقية الرئيس تبون أمام أنصاره وأمام الشارع الجزائري باتت على المحك، بعد تعطل العملية إلى غاية الآن، ولذلك قرر الاستغناء عن خدمات الرجل الذي شغل المنصب منذ شهر مارس 2023، وأن الرئيس تبون يريد كبش فداء للتضحية به وتعليق الفشل المبكر للعملية على مشجب تخاذل الجهاز الحكومي.”
وأمام إحاطة الرئيس تبون لنفسه بفريق من المستشارين في ثوب حكومة موازية، أفقد الجهاز الحكومي دوره وصلاحياته، لاسيما في ظل صدور مهام المستشارين في الجريدة الرسمية، الأمر الذي حوّل الوزراء إلى موظفين سامين لا غير معرضين للاستغناء عنهم في أي لحظة، دون المرور على تقليد التعديل الحكومي، بينما يحظى فريق المستشارين بالثقل والثبات في مناصبهم ومواقعهم.
وبات الحضور اللافت للمستشار ومدير الإعلام الرئاسي في رئاسة الجمهورية كمال سيد سعيد نموذجا مكرسا لدور المستشارين مقارنة بالفريق الوزراي، فهو يلازم رئيس الجمهورية في كل مكان، وتسلط عليه الأضواء في مختلف الأنشطة الرسمية أكثر من وزير الاتصال نفسه.
وفضلا عن زوبعة منحة السفر، كان يفترض أن يقود لعزيز فايد المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من أجل مراجعة اتفاق الشراكة وفق مبدأ “رابح – رابح”، كما تقرر في آخر اجتماع لمجلس الوزراء الأخير.
التعهد برفع منحة السفر إلى 750 يورو للمسافرين البالغين و300 يورو للقصر، وألف دولار للحجاج، غير قابل للتجسيد قياسا بالوضع المالي للبلاد
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الوعود الشعبوية التي يطلقها الرئيس تبون من حين إلى آخر لأجل رفع رصيده الشعبي لدى الشارع الجزائري، باتت تصطدم بحقائق مالية واقتصادية تحول دون تحقيقها، وبدل الجلوس لمراجعة الخيارات المعلنة وتغليب العقلانية السياسية والاقتصادية، يجري في كل مرة التضحية بمسؤولين أقل منه درجة ونفوذا.
ويرى مختصون في الشأن المالي أن التعهد برفع منحة السفر إلى 750 يورو للمسافرين البالغين و300 يورو للقصر، وألف دولار للحجاج، غير قابل للتجسيد قياسا بالوضع المالي للبلاد، فالعملية تكلف نحو أربعة مليارات دولار، في ظل تقدير عدد المسافرين بأربعة ملايين مسافر سنويا.
وذهب المختصون إلى أن حملة ذر الرماد في العيون التي باشرها مسؤولون حكوميون لإرضاء الرجل الأول في الدولة، عبر تسريب موعد دخول القرار حيز الخدمة خلال شهر فبراير الجاري، وتسويق صور لبعض الإمكانيات اللوجستية لتسليمها لأصحابها، بتخصيص مكاتب تابعة للبنك المركزي في مطار وميناء الجزائر، لا تعدو أن تكون إلا مجرد تخبط لا غير.
وفضلا عن عدم صدور المرسوم القانوني المنظم للعملية إلى حد الآن، والاستناد فقط على منشور وضعه النائب البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني زهير ناصري على صفحته الرسمية على فيسبوك، حيث فصل في شروط وكيفية الحصول عليها، فإنه من المستبعد دخول القرار حيز التنفيذ في المدى القريب، لاسيما أن الإمكانيات اللوجستية لبنك الجزائر (المكاتب والموظفين والدوام الكلي) لا يمكن أن تكون حصرا فقط في مطار وميناء الجزائر العاصمة، بما أن السفر يتم أيضا من مطارات وموانئ أخرى منتشرة في ربوع البلاد، كما أنه لم يتم تناول وضعية نقاط العبور البري، خاصة العاملة مع دولة تونس التي تستقبل سنويا نحو ثلاثة ملايين مسافر جزائري.
ويأمل الرئيس الجزائري، عبر حزمة من الإجراءات المالية، كرفع منحة السفر وتحديد كمية الأموال الشخصية المسموح بإخراجها للخارج في سقف 7500 يورو مرة واحدة في العام، وفتح مكاتب الصرف الرسمية، في تلاشي السوق الموازية للعملة التي تغذي الاقتصاد الموازي في البلاد والمقدر بنحو 90 مليار دولار.