وصمة الايدز أشد ألما للمصابين في الأردن

يخشى الأشخاص المصابون بالإيدز خاصة في الدول العربية من الذهاب إلى العيادات خوفا من الكشف عن وضعهم الذي يؤدي إلى معاناتهم من المزيد من الوصمة والتمييز، مما يخلق حواجز أمام حصولهم على خدمات الوقاية والاختبار والعلاج، ما يعرّضهم ومجتمعاتهم للخطر.
عمّان – يحجم مصابون بمرض نقص المناعة “الإيدز” عن الكشف عن مرضهم لأسباب تتصل بالوصمة الاجتماعية في جميع الدول العربية بما في ذلك الأردن، حسب مصدر رسمي في وزارة الصحة الأردنية، في إشارة ضمنية إلى أن العدد الفعلي للمصابين يفوق ما هو معلن وهو 406 حالات خلال 32 عاما.
وأكد مختصون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن المرض الذي يبدو شبحا مرعبا نفسيا واجتماعيا، لم تسجل فيه حالة واحدة في المملكة بسبب نقل الدم، ما يعني أن الإصابة به أصلا تكون نتيجة ممارسات غير مشروعة بالنسبة للمجتمع.
وقال مدير مركز “سواعد التغيير لتمكين المجتمع” الدكتور عبدالله البرماوي إن الدول المتقدمة سيطرت على نسبة انتقال عدوى فيروس نقص المناعة “الإيدز” وخفضت نسبة الوفيات عبر إجراءات علاجية تبدأ بالفحص الطوعي ونبذ وصمة التمييز للمصابين واضطهاد المريض، ما يدفعه إلى الصمت عن المرض والتقوقع والعزلة.
ووصف البرماوي الصورة النمطية المترسخة في الأذهان إعلاميا بأنها غير دقيقة، إذ جعلت نهاية المرض موتا حتميا، موضحا أن العلاج يثبط الفيروس ويمنعه من إتلاف أجهزة الإنسان فيصبح مجمدا في الجسم.
وأشار إلى حصيلة من الاعتقادات الخاطئة رسختها المسلسلات وبعض الأفلام في أذهان الناس عن طرق انتقال مرض “الإيدز”، منبها إلى أنه فيروس محتمل العدوى وليس أكيدا إلا في حالة نقل دم مصاب إلى الجسم.
وأضاف أن فيروس الإيدز من أضعف الفيروسات حتى أنه يموت إذا تعرض للكحول أو حامض الليمون أو جفت عنه السوائل، بخلاف الفكرة السائدة بأنه مرض قاتل يستوجب الحجر على المصاب به وعزله.
وأوضح قائلا لـ”بترا”، “إن الفيروس ليس معديا في برك السباحة حتى لو كان المصاب مجروحا، لأن الماء يخفف الفيروس لدرجة فقدانه ‘للحمل الفيروسي’ المعدي، كما أنه ليس معديا بالنفس أو السعال أو اللعاب أو مشاركة الطعام والشراب كما يظن الكثيرون".
وبيّن البرماوي أن طرق انتقال الإيدز تنحصر في نقل الدم، والسوائل الجنسية لدى الرجل والمرأة، وحليب الأم، والسائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين، منبها إلى أنه لا ينتقل إلى الجنين وهو في بطن أمه بسبب سلامة الأنسجة لديه، لكنه ينتقل إليه في حالة وصول مرض الأم لدرجة متقدمة تضعف خلايا أنسجة الطفل وتهتكها، وينتقل إليه كذلك في حالة الولادة الطبيعية عند تعرضه لدم مصاب، وبحليب الأم المصابة، وحال ذلك الولادة القيصرية والرضاعة الاصطناعية.
ومن جانبها، قالت مديرة البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في وزارة الصحة الأردنية الدكتورة هيام مقطش “يوجد لدينا ‘مركز المشورة والفحص الطوعي’ في الوزارة، يعنى بمرضى الإيدز بغض النظر عن جنسياتهم ودون معرفة هوياتهم الشخصية، حيث يخضع المريض للمشورة والفحص ومحاورته عن آخر سلوك قام به يشك في أنه نقل له فيروس الإيدز، ويطلب منه الرجوع بعد انتهاء ‘المرحلة الشُّبّاكية’ وهي الفترة الحاضنة للمرض، والتي لا يظهر الفيروس إلا بعدها".
وأضافت أنه “إذا ثبتت بالفحص الطبي إصابته بالمرض، فإنه يتلقى المشورة ونبدأ بعلاجه”، لافتة إلى أنهم يستدعون شركاء المصاب مثل زوجته وأولاده وأقاربه للتأكد من سلامتهم وتقديم المشورة لهم، إضافة لوجود طبيب نفسي يقدم الدعم اللازم للمصاب، وهذا كله يتم في مركز المشورة فقط الكائن في عمّان.
وأوضحت أن الوزارة بصدد إنشاء مراكز للمشورة في المحافظات بعد الحصول على المنحة المخصصة لذلك.
وبلغ عدد مرضى الإيدز في الأردن، في الفترة 1986 حتى 2018، نحو 406 حالات، حسب مقطش التي توضح أن 25 بالمئة منها سجلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتراوحت أعمار المصابين بين 30 و39 عاما، فيما انخفضت الفئة العمرية في آخر سنتين إلى 20 و24 عاما للذكور والإناث، وبلغ مجمل أعدادها خلال 32 عاما 406 حالات إصابة بفيروس الإيدز في الأردن.
وقالت مقطش إن أعداد مرضى الإيدز هذه ليست نهائية، لأن هناك حالات لم يتم الكشف عنها، مشيرة إلى حاجة البرنامج الوطني للدعم المادي للقيام بالدراسات وحملات التوعية عبر وسائل الإعلام.
ويرى سامر المحمد الناشط في التوعية بمرض الإيدز أن الحفاظ على خصوصية علاج المصابين تحفزهم على تلقي العلاج دون خوف من وصمة التمييز الاجتماعية، لافتا إلى أنه من خلال تطوعه في هذا المجال يسعى لنشر الوعي بين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض ويبحث جاهدا عنها.
وأحيا العالم اليوم العالمي لمكافحة الإيدز لعام 2019، تحت شعار “أهمية دور المجتمعات المحلية في تحسين حياة الأشخاص”، في إشارة إلى الدور الأساسي الذي لعبته المجتمعات المحلية وما زالت تلعبه في التصدي للإيدز على المستويات الدولية والوطنية والمحلية.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالته بهذه المناسبة، أن القضاء على وباء الإيدز بحلول عام 2030، سيتطلب جهدا تعاونيا مستمرا، مشيرا إلى المجتمعات المحلية التي تقوم في جميع أنحاء العالم بدور أساسي في مكافحة هذا الوباء، إذ تساعد الناس في المطالبة بحقوقهم وتعمل على توافر إمكانية الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية التي لا وصم فيها، وتكفل وصول الخدمات إلى أكثر الفئات ضعفا وتعرضا للتهميش، وتضغط من أجل تغيير القوانين المنطوية على تمييز.
وأشار غوتيريش إلى أنه “لا تزال هناك احتياجات لم تتم تلبيتها بعد، فقد بلغت أعداد المصابين بالفيروس رقما قياسيا هو 38 مليون شخص ولكن الموارد المتاحة للتعامل مع الوباء انخفضت إلى مليار دولار في العام الماضي”.
وقال تقرير سابق صدر عن برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز، إن الأشخاص المصابين بالإيدز والذين يعانون من مستويات عالية من الوصمة المرتبطة بالفيروس أكثر عرضة بمرتين لتأخر طلبهم للرعاية الطبية بالمقارنة مع نظرائهم الذين لا يعانون من تلك الوصمة.
وأكد خبراء أنه عندما يتعرض الأشخاص المتعايشون مع الإيدز أو المعرضون لخطر الإصابة به للتمييز في أماكن الرعاية الصحية، يلجأون إلى سبل خفية، وهذا يقوّض بشكل خطير القدرة على الوصول إليهم بالاختبار والعلاج والوقاية والخدمات.
وأشار التقرير إلى أنه وفقا لبيانات 19 بلدا، تجنب واحد من بين كل خمسة أشخاص مصابين بالإيدز التماس الرعاية الطبية خشية الوصمة أو التمييز المتّصلين بالفيروس، منبّها إلى أنه عندما ينتظر المصابون إلى أن يستفحل المرض لطلب المساعدة، يكونون أقل استجابة للعلاج.