وصفة كريستالينا جورجيفا لإدارة أزمات العالم العربي

التشديد النقدي وتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا يمكن أن يُخلفا اقتصادا عالميا أكثر تفككا.
الاثنين 2023/02/13
كريستالينا جورجيفا: العامل الأساسي لزيادة الإيرادات هو تحديث الإدارة الضريبية

دبي- قدمت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا لدى افتتاح المنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية المنعقد في دبي، ما يمكن اعتباره وصفة لمواجهة الاختلالات الاقتصادية التي تؤدي إلى تنامي المخاطر الناجمة عن الديون والتضخم وارتفاع الأسعار مما يزيد الأعباء على قطاع واسع من المواطنين.

وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في الشهر الماضي أن يتباطأ النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3.2 في المئة هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3.5 في المئة عام 2024. إلا أن جورجيفا قالت إن العالم العربي حقق خلال السنوات الماضية “تقدماً هائلاً، ولعب دورا قياديا حقيقيا على مستوى العالم”. ولكنها استدركت قائلة إن “المنطقة تشهد، على غرار مناطق كثيرة في العالم، تحديات هائلة في الوقت الذي نواجه فيه أزمات عديدة”.

وبعيدا عن المخاطر التي لا تزال تحيط بفرص النمو في العالم، ومن بينها تعثر مسيرة التعافي في الصين و”تجاوز التضخم للتوقعات، ما سيقتضي المزيد من التشديد النقدي، فضلا عن تصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا مما يمكن أن يُخلف اقتصادا عالميا أكثر تفككا”، تسلك الأوضاع القائمة في العالم العربي طريقا موازيا للمخاطر، لاسيما لجهة أن “عدة اقتصادات في المنطقة تشهد ارتفاعا في نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، والتي تقارب 90 في المئة في بعض الاقتصادات”.

◙ حماية الشرائح الاجتماعية الفقيرة، من خلال تكريس الدعم لها بدلا من جعله دعما عاما، تشكل أداة لعدالة اجتماعية أفضل

وأجملت جورجيفا المخاطر الأخرى التي تواجه المنطقة بالقول إن صندوق النقد يتوقع أن يتجاوز التضخم في المنطقة نسبة 10 في المئة، وهو ما يزيد على المتوسط العالمي.

وبالنسبة إلى الاقتصادات منخفضة الدخل، فإن التداعيات ستمتد إلى ارتفاع أسعار الغذاء وانخفاض أسعار صرف العملات المحلية. أما التشدد النقدي العالمي فسيؤدي إلى ارتفاع كلفة الاقتراض ونقص التمويل مما يفرض عبئا على الموارد الحكومية ويعرقل الإصلاحات. إلا أن ذلك لا يعني تعذر إيجاد الحلول التي توفر أساسا لمواجهة هذه الأزمات وتداعياتها.

ووضعت جورجيفا ثلاثة مبادئ، يمكن أن تعد بمثابة وصفة لتلك الحلول. يتمثل المبدأ الأول في “وضع إطار قوي لإدارة سياسة المالية العامة والتعامل مع المخاطر المحيطة بها”. وقالت “لننظر إلى تقلبات أسعار الطاقة والغذاء في المنطقة، التي تتطلب من الحكومات التدخل لحماية الفئات الضعيفة مع مواصلة خطط التنمية والاستثمارات. وهو ما يقتضي التخطيط الدقيق وتوفر الموارد اللازمة”.

وأشادت في هذا الصدد بتجربة المغرب، إذ قالت إن “هذا هو ما يفعله المغرب، من خلال إلغاء الدعم المكلف غير الموجه تدريجيا لصالح توفير الدعم الاجتماعي الذي يستهدف الفئات المستحقة”.

أما المبدأ الثاني فيتمثل في “التخطيط والاستثمار على المدى الطويل لمواجهة تحديات المناخ”، مشيرة إلى أنه “من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، تبلغ مستويات الاحترار في المنطقة ضعف معدلها في باقي أنحاء العالم. وأن الاحتياجات التمويلية المطلوبة لعدة سنوات تتجاوز 750 مليار دولار لاتخاذ التدابير اللازمة. وتعتمد تلبية هذه الاحتياجات على توفير بيئة مواتية للتمويل المناخي الخاص من خلال السياسات والحلول المالية السليمة”.

◙ صندوق النقد يتوقع أن يتجاوز التضخم في المنطقة نسبة 10 في المئة، وهو ما يزيد على المتوسط العالمي

ويتلخص المبدأ الثالث في تعزيز الإيرادات الضريبية. وعن ذلك قالت جورجيفا إن “الاستثمار في مستقبل أكثر صلابة مرهون بمواصلة تعزيز سياسات الضرائب والإدارة الضريبية، والإلغاء التدريجي للإعفاءات الضريبية المفتقرة إلى الكفاءة”. وأشادت بعدة أمثلة على ذلك، حيث “تعمل الجزائر حاليا على توسيع الوعاء الضريبي وتوزيع العبء الضريبي بعدالة أشمل”، كما أشادت أيضا بنجاح “البحرين والسعودية في جمع إيرادات هائلة من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وفي الإمارات العربية المتحدة، يُتوقع تطبيق ضريبة دخل الشركات بصورة تدريجية”.

وقالت جورجيفا إن العامل الأساسي الآخر لزيادة الإيرادات هو تحديث الإدارة الضريبية، سواء من خلال استخدام الأدوات الرقمية، وهذا ما قام به الأردن بالفعل، أو من خلال إصلاح السياسات والإدارة لإعادة بناء القدرات الضريبية من أجل تحسين مستويات الامتثال.

ويقول مراقبون إنه على عكس الانطباعات المسبقة حول “وصفات صندوق النقد الدولي”، فإن حماية الشرائح الاجتماعية الفقيرة، من خلال تكريس الدعم لها بدلا من جعله دعما عاما، تشكل أداة لعدالة اجتماعية أفضل. ويشكل ضمان التدفقات الضريبية الوجه الآخر لهذه العدالة، حيث تتوفر للحكومات الموارد المطلوبة لتوفير الدعم لمن هم أكثر احتياجا إليه. كما أن وقف الهدر بالحد من خسائر الشركات المملوكة للدولة، بوسعه أن يحد المخاطر التي تهدد مالياتها العامة أو التي تدفع إلى زعزعة استقرار الدين ومن ثمة الاضطرار إلى تخفيضات حادة في النفقات الضرورية.

 

1