وصفة صندوق النقد الدولي لتعزيز نمو إقليمي مستدام

خيارات صعبة أمام دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
الاثنين 2023/10/30
البنوك المركزية في قلب الإعصار

جاء تقرير صندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد الإقليمي متوافقا مع حالة عدم اليقين التي يشهدها العالم، حيث أدت تداعيات ناجمة عن اضطرابات عالمية ومحلية ومخاطر جيوسياسية إلى آثار سلبية على الزخم الاقتصادي عبر المنطقة.

واشنطن - بمناسبة عودة الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى الانعقاد في قارة أفريقيا بعد مُضي 50 عاما – وفي مدينة مراكش المغربية تحديدا – وكما هو متوقع ركز على شمال أفريقيا وناقش التطورات الاقتصادية على مستوى القارة بأكملها.

فبعد أربع سنوات من الأزمات، وفي ختام سنة أخرى من المصاعب، أكدت الأحداث التي وقعت مؤخرا، ومنها الزلزال المدمر في المغرب، والفيضانات الجارفة في ليبيا، وتأثير إعصار فريدي في ملاوي، أن القارة لا تزال عرضة لمخاطر الكوارث الطبيعية وتحتاج إلى بناء قدراتها وتعزيزها لتصمد أمام أحداث مشابهة قد تحدث مستقبلا.

وعلى المدى القصير، يرى معدو التقرير أن هناك بوادر أولية تشير إلى أن الآفاق آخذة في التحسن في الكثير من البلدان الأفريقية. فالتضخم يشهد انخفاضا بشكل عام، وبدأ النشاط الاقتصادي في التعافي، وأخذت الاختلالات المالية سبيلها إلى التراجع بصورة تدريجية. غير أن هناك تحديات كبيرة لا تزال قائمة، ولا يزال من السابق لأوانه الاحتفال بالنتائج.

وبالنسبة إلى الكثير من البلدان، لا يزال مستوى التضخم بالغ الارتفاع، ومواطن الضعف المتعلقة بالديون لا تزال هي الأخرى كبيرة، وتواجه معدلات النمو انخفاضا كبيرا في المدى المتوسط.

وقد أبرزت نوبات عدم الاستقرار السياسي في الآونة الأخيرة مدى هشاشة الدول المتأثرة بالصراعات. وفي ضوء ذلك، يتعين على صناع السياسات تحديد أولويات الجهود من أجل تعزيز الصلابة وذلك من خلال ضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتعجيل وتيرة الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحقيق نمو أقوى وأكثر شمولا للجميع.

مع ارتفاع مستويات الدین العام والتضخم أصبح تشديد السياسة النقدية ضروريا في الكثير من بلدان المنطقة

ويدعو التقرير المجتمع الدولي إلى اتخاذ منهج تعاوني وتعزيزه من أجل توفير السلع العامة العالمية. وفي حالة أفريقيا، فمن الضروري دعم الدول الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ والأشد تأثرا بالصراعات في المنطقة.

وفي منطقة الشرق الأوسط أتت التوقعات متوافقة مع آراء خبراء اقتصاد حول تباطؤ النمو هذا العام بسبب تراجع إنتاج النفط، وتشديد بيئة السياسات في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل، إلى جانب النزاع في السودان، هذا بالطبع إلى جانب الصراع والهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.

رغم ذلك توقع التقرير تحسن النشاط الاقتصادي في المنطقة خلال عامي 2024 و2025 مع انحسار بعض العوامل المؤثرة على النمو هذا العام تدریجیا، بما في ذلك التخفیضات المؤقتة في إنتاج النفط. ولكن من المتوقع استمرار تباطؤ النمو على مدار فترة التنبؤات بفعل معوقات النمو الهيكلية، وتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي العام القادم الذي يواصل تراجعه على المدى المتوسط.

وفي القوقاز وآسيا الوسطى، تتلاشى تدريجیا حالة التحسن التي شهدها النشاط نتیجة التدفقات الحقيقية والمالية الوافدة من روسيا. وبوجه عام، تتراجع معدلات التضخم تماشيا مع انخفاض الضغوط السعرية عالميا، رغم استمرار التداعيات، بما في ذلك النمو الهائل في الأجور والأحداث المرتبطة الناجمة عن العوامل المتعلقة بالمناخ. وقد طرأ بعض التحسن منذ أبريل، ولكن ميزان المخاطر المحيطة بالآفاق لا يزال یميل نحو التطورات السلبية.

وفي هذا السياق، رأى معدو التقرير ضرورة التعجيل بالإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو والصلابة، بينما يظل تشديد السياسات النقدية والمالية ضرورة في عدة اقتصادات لتحقيق خفض دائم في مستويات التضخم وضمان استدامة القدرة على تحمل الدين العام.

مكامن الضعف لا تزال قائمة في بعض البلدان وقد تقع خسائر یمكنھا أن تحد من القدرة على الإقراض قريبا

وأشار التقرير إلى تضاؤل حيز التصرف المتاح من خلال السياسات في عدد كبير من بلدان منطقة الشرق الأوسط بعد فترة مطولة من الصدمات، لاسيما بين بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان متوسطة الدخل في المنطقة.

ومع ارتفاع مستويات الدين العام والتضخم، أصبح الضبط المالي وتشديد السياسة النقدية ضروريين في الكثير من بلدان المنطقة، حيث الإصلاحات الهيكلية لا توفر السبيل لزيادة النمو الممكن وحسب، بل لجني ثمار النمو في الأجل القريب أيضا. وبالإضافة إلى ذلك، من شأن الإصلاحات أن تكون عاملا مؤثرا في تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي بين البلدان المصدرة للنفط.

وفي قراءة تحليلية جديدة للمنطقة، يوضح التقرير أن معظم الإصلاحات الهيكلية تساعد في رفع مستوى الناتج، مع تزايد أثرها بمرور الوقت. ويرى معدو التقرير أن إصلاحات الحوكمة – لاسيما تعزيز سيادة القانون وفعالية القطاع الحكومي – ضرورية بصفة خاصة وبإمكانها كذلك خلق آثار إيجابیة على الناتج خلال فترات ضعف النمو أو ضيق حيز التصرف نسبيا من خلال السياسات.

ومن شأن تحسين قدرة الحكومة على تنفيذ السياسات والقواعد التنظيمية لتعزيز تنمية القطاع الخاص أن يساهم أيضا في دعم النمو من خلال تحسين الاستثمار وزيادة الإنتاجية. وعلاوة على ذلك، فإن إعطاء الأولوية لإصلاحات الحوكمة قبل غيرها من الإصلاحات ضمن حزم إستراتيجية بالجمع بین إصلاحات القطاع يمكن أن ينعكس مردودها الكلي على النمو.

وتواجه البنوك المركزية في منطقة الشرق الأوسط مفاضلات صعبة وتحديات على مستوى السياسات في وقت لا يزال فيه التضخم الأساسي، رغم تراجعه تدريجيا، أعلى من مستهدفات البنوك المركزية في كثير من البلدان.

وفي هذا السیاق، نجد أن أي فترة مطولة من تشديد السياسة النقدية لخفض التضخم يمكن أن تكون لها عواقب غیر مقصودة على الأنظمة المالية في المنطقة. ويتناول التقرير تقييم حالة القطاعات المصرفیة في المنطقة ومدى صلابتها في مواجهة مخاطر الائتمان والسيولة التي قد تنشأ في ظل أسعار فائدة “مرتفعة لفترة أطول”.

وتشير النتائج إلى أن الأنظمة المصرفية ستظل محتفظة بصلابتها في سیناريو التطورات السلبية الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة، والضغوط في قطاع الشركات، وتزايد ضغوط السيولة.

ومع ذلك، لا تزال مكامن الضعف قائمة في بعض البلدان، لاسيما بین البنوك المملوكة للدولة، وقد تقع خسائر يمكنها، رغم سهولة التعامل معها، أن تحد من القدرة على الإقراض وتزيد من مخاطر التطورات السلبية على الناتج. وترتكز السياسات الهادفة إلى التخفيف من مخاطر التطورات السلبية على تقوية أطر السلامة الاحترازية الكلية، واحتواء مواطن الضعف الناجمة عن الروابط بین المؤسسات السیادية والبنوك، وتعزيز التواصل الواضح في الوقت المناسب.

11