وساطات لأزمة السودان ومبادرات متعارضة تطفو على السطح

لعب الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) دورا مهما منذ سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ويسعى الجانبان إلى مواصلة دورهما في الصراع الحالي لفرض وقف دائم لإطلاق النار وإجبار الطرفين على الحوار. ويأتي ذلك في ظل محاولات عربية ودولية للتوسط.
الخرطوم - يدور الحديث عن عدة مبادرات ووساطات من جهات إقليمية، جماعية وثنائية وفردية، غير أن أيا منها لم تتضح ملامحها النهائية، ولا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد من التشاور مع طرفي الصراع.
وظهرت تصريحات متباينة تشير إلى رغبة كل من مصر وجنوب السودان والسعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل في الدخول في عملية وساطة وطرح مبادرات للتهدئة ووقف إطلاق النار، كما أن جامعة الدول العربية بدأت تلوّح بدور جديد لها في الأزمة السودانية التي نأت عن الانخراط فيها بجدية منذ سنوات لأسباب تتعلق بارتباكها السياسي أو عدم استعداد دوائر أفريقية لمشاركة عربية في الأزمة.
وبدأت الولايات المتحدة ودول أفريقية تسابق الزمن لتمديد وقف إطلاق النار قبل أن ينتهي الجمعة، بعد أن أعطى الجيش موافقة أولية على مقترح أفريقي يدعو إلى إجراء محادثات مع قوات الدعم السريع.
موافقة البرهان على تمديد الهدنة جاءت هذه المرة من اعتقاده في قدرته على الحسم الميداني خلال الأيام المقبلة
وأجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نقاشا مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد حول تنسيق العمل معا لوضع نهاية للاقتتال في السودان.
وجاء الضغط المتصاعد من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي وجهات أخرى في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من تزايد المخاطر على صحة وسلامة المواطنين. وتسبب القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع الذي بدأ في الخامس عشر من أبريل الجاري في احتداد الأزمة الاقتصادية وزيادة النزوح واللجوء الجماعي إلى دول مجاورة.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء أعمال نهب وأحداث عنف بدأت تتخذ بعدا قبليا في مدينة الجنينة غربي السودان، والتي هدأ فيها صراع بين قبائل عربية وأخرى أفريقية يمكن أن يتجدد على ضوء اتساع رقعة الصراع بين الجيش والدعم السريع.
ولعب الاتحاد الأفريقي وإيغاد، ومعهما إثيوبيا وجنوب السودان، دورا كبيرا في الأزمة منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير قبل نحو أربع سنوات، ثم دخلت معهما بعثة الأمم المتحدة مؤخرا ضمن ما يعرف بالآلية الثلاثية لضمان تسليم السلطة من الجيش إلى القوى المدنية ودعم التحول الديمقراطي.
ولا تزال الجهتان الأفريقيتان تريدان مواصلة دورهما وتهميش أي دور عربي، فردي أو جماعي، مستندتين إلى دعم أفريقي ودولي لهما، وتفضلان استمرار معالجة الأزمة داخل البيت الأفريقي، على الرغم من عدم قدرتهما على ترتيب البيت السوداني في الفترة الماضية، وتشكيك بعض الأطراف في أنه يتم تحريكهما من قبل إثيوبيا.
وبدت تحركات الاتحاد الأفريقي بطيئة، بينما سرعت إيغاد خطواتها من خلال دولة جنوب السودان التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وأسهمت بدور فعّال في التوقيع على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020، والذي وضع قواعد الأمن والسلام بين الخرطوم وحركات مسلحة عديدة.
وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا مع الرئيس سلفا كير عقب اندلاع القتال لتنسيق المواقف والتعاون لوقف إطلاق النار، إلا أن التنسيق بينهما لم تظهر له معالم واضحة، وبدأت جوبا تتحرك بوتيرة سريعة منفردة أو عبر إيغاد.
ويقول مراقبون إن جوبا تعرضت لضغوط إقليمية ودولية متباينة لوقف التعاون مع القاهرة، أو على الأقل عدم التمادي فيه، خوفا من خلق مجال لدور عربي ظل غائبا فترة طويلة عن السودان.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن قوى دولية كبرى، في مقدمتها الولايات المتحدة، تصر على التعامل مع الأزمة ضمن المنظومة الأفريقية، استنادا إلى رؤية تتعامل مع السودان على أنه دولة أفريقية مهمة في المقام الأول، وهو ما ظهرت تجلياته خلال العقود الماضية، وظلت الوساطات في أزمات السودان حكرا على الجانب الأفريقي، مع تعاون متفاوت مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا.
وتسلم البرهان الأربعاء مبادرة إيغاد التي تمخض عنها اجتماع سابق عقد بين رؤساء دول المنظمة، وتقرر فيه تكليف رؤساء كل من جنوب السودان وكينيا وجيبوتي بالعمل على اجتراح حلول للأزمة في السودان، غير أن وفدها لم يتمكن من الوصول إلى الخرطوم.
وقال وزير خارجية جنوب السودان دينج داو دينج إن رئيس الدولة سلفا كير نجح في الحصول على موافقة البرهان على تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة بدءا من الجمعة بهدف السماح للمدنيين وغيرهم بالحصول على مساعدات طبية ضرورية ومواد غذائية وإمدادات أساسية، وبدا موقف حميدتي غامضا حيال مبادرة إيغاد حتى منتصف الخميس.
وطلب سلفا كير من الرجلين المتصارعين التقابل “وجها لوجه” في مكان غير معلوم، “وإذا لم يتمكنا فعليهما إرسال ممثليهما للاجتماع وجها لوجه”.
ونشر مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية في صفحته على موقع فيسبوك الخميس مقترحات حلول الأزمة، وتتمثل في تمديد الهدنة الحالية إلى 72 ساعة إضافية، وإيفاد ممثل واحد من كل من الجيش والدعم السريع إلى جوبا بغرض التفاوض حول تفاصيل المبادرة.
وأظهر الجنرال البرهان، وفقا لما نشر على موقع فيسبوك، موافقته المبدئية على المبادرة، وشكر ممثلي المنظمة على مساعيهم واهتمامهم بالأزمة الحالية، ولم تفصح دولة جنوب السودان عن موقف الدعم السريع وما إذا كان تأخر الرد رفضا أم تريثا.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن “موقف البرهان جاء هذه المرة من رحم قدرته على الحسم الميداني خلال الأيام المقبلة، وإحراج غريمه حميدتي أمام المجتمعين الدولي والسوداني في مسألتي التهدئة ووقف إطلاق النار، اللتين أبدى استعداده للقبول بهما سابقا، بينما رفضهما الجيش، وهو ما اعتبرته قوات الدعم السريع رغبة في المزيد من الاقتتال”.
وأكدت المصادر ذاتها أن قبول البرهان بتمديد التهدئة لثلاثة أيام أخرى والتجاوب مع مبادرة إيغاد إما أنه يوحي بالإرهاق والاستنزاف أو أن الجيش حقق انتصارات حقيقية على الأرض ويريد الحفاظ عليها، ما يمكّنه من فرض شروطه على الطرف المقابل.
وشكك المحلل السوداني صلاح خليل خلال تصريح لـ”العرب” في أن يكون قبول الجيش بوساطة إيغاد أو غيرها تعبيرا عن ضعف، معتبرا أن ما أنجزه ميدانيا يساعده على قبول هدنة لإظهار تجاوبه مع المجتمع الدولي، وعدم إحراج الجهات الأفريقية، ووضع الكرة في ملعب حميدتي الذي اعتقد أنه قادر على حسم المعركة بشكل سريع.
وأشار خليل إلى أن البرهان لا يريد لحميدتي أن يكون جزءا من أي معادلة سياسية أو عسكرية خلال الفترة المقبلة، إذا تمكن من حسم المعركة لصالحه، بعد وصول إمدادات عسكرية إلى الجيش من أقاليم سودانية مختلفة.