وسائل الإعلام الجزائرية تستفيض بالدعاية لرفض الرئيس "الدعاية والتملق"

الرئيس تبون يريد الترويج لصورة قريبة من الشعب بعيدة عن ممارسات أسلافه في السلطة.
الأربعاء 2024/05/29
إستراتيجية انتخابية

تبدي الرئاسة الجزائرية استياء كبيرا من الدعاية المستفيضة المفضوحة سواء من قبل وسائل الإعلام الموالية لها أو القوى السياسية الداعمة للرئيس عبدالمجيد تبون، لما ترمز له في أذهان المواطنين من ممارسات قديمة مكروهة، بينما وجدت منصات إعلامية التوجه الرئاسي فرصة لمديح تواضع الرئيس والدعاية له.

الجزائر - تستفيض وسائل الإعلام الجزائرية بالحديث عن تواضع الرئيس عبدالمجيد تبون بسبب رفضه التملق وكيل المديح والإشادة في وسائل الإعلام التي باتت بمثابة دعاية مفضوحة لم تعد تنطلي على الرأي العام لاسيما والبلاد مقبلة على انتخابات رئاسية في سبتمبر القادم.

وتسابقت وسائل إعلام مقرّبة من السلطة في نشر تقارير ومقالات تتحدث أن تبون غير راض عن عودة مظاهر وسلوكيات تقوم بها أحزاب وقوى سياسية ومدنية تمجد شخص الرئيس قبل الانتخابات الرئاسية، وكانت هذه المظاهر قد خلقت احتقانا في الشارع الجزائري عشية الحراك الشعبي عام 2019، وفق الرئاسة.

وعنونت صحيفة لوسوار دالجيري، “الرئيس غاضب” وذكرت أن الرئيس حين تولى الرئاسة في سنة 2019، طالب بنزع مصطلح الفخامة، وأحدث القطيعة مع الممارسات السابقة، بما في ذلك تكريم رئيس الجمهورية دون مناسبة. وتابعت: “الرئيس تبون لم يخف غضبه وقدّم تعليمات من أجل وقف هذه التمثيليات”.

من جهتها، قالت صحيفة الخبر إن الرئيس تبون غاضب، مشيرة إلى حنين بعض أصحاب النفوس المريضة وهواة الانتهازية إلى ممارساتها الفولكلورية التي كانت تميز المشهد السياسي قبل 2019، وبدأ يتسلل إلى صدور أصحاب النفوس الضعيفة وهواة الانتهازية، وهو ما يستدعي التذكير والتحذير”.

وقالت مصادر مطلعة أن هذا التوجه يبدو أنه بسبب تعليمات تلقتها الصحف من الرئاسة، لكن المفارقة أن وسائل الإعلام وجدتها فرصة للاستفاضة في كيل المديح للرئيس ولتواضعه، إذ أن صحيفة الفجر قالت “من كان يظن أن لعبة ‘الكادر’ قد تعود يوما إلى الجزائر بعدما اندثرت مع مجيء الرئيس تبون إلى الحكم في 2019، عندما أسقط عبادة الأشخاص والانفراد بالحكم، وقطع الطريق أمام التداول السلمي الديمقراطي على الحكم.. وعندما أعلن إلغاء لفظ ‘الفخامة’ عنه”.

صورة الرئيس على لوحة عرض بلباس تقليدي، استفزت السلطة لأنها تعود بذاكرة الجزائريين إلى ما قبل 2019

واستطردت أن ذلك يعود إلى  “العنفوان والأنفة للمواطنين الذين صمت آذانهم في نشرات الأخبار وبرقيات وكالة الأنباء وأمواج الإذاعة لعقدين كاملين بهذا اللفظ، الذي كرس فيما كرس الشعور بالخضوع والاستسلام والتقديس غير اللائق للأشخاص، على اعتبار أن الرؤساء أو الحكام أو الوزراء أو الولاة أو الأميار أو كبار الموظفين ما هم سوى رجال ونساء سخرهم الوطن لخدمته وخدمة المواطنين من باب المسؤولية تكليف وليست تشريفا”.

وجاء في مقال الصحيفة أن “عهد التزلف والتملق في المواعيد الانتخابية وغيرها قد انتهى، خاصة بعدما حصدت البلاد الكثير من النقاط السوداء، جراء ممارسة كادت تكرس عبادة الأشخاص”.

ولفتت أن “بعض المؤشرات السلبية بدأت تلوح في الأفق، خاصة منذ أيام قليلة مع استعداد الجزائر لدخول سباق الانتخابات الجزائرية، حيث شوهدت بعض الأطراف تعيد اجترار مظاهر أكل عليها الزمن وشرب، عبر رفع صور عملاقة لرئيس الجمهورية، ونصب الكادر صور مكبرة للرئيس على لوح خاص، في قاعات تجمعات واجتماعات ومؤتمرات دون أي مسوغ، سياسي أو تسويقي أو بروتوكولي”.

ويرى متابعون للمشهد السياسي والإعلامي في البلاد أن الرئيس تبون يريد الظهور باعتباره شخصية قريبة من الشعب بعيدة عن ممارسات أسلافه في السلطة، خصوصا مع عدم وجود منافسين حقيقيين في انتخابات محسومة سلفا لصالحه رغم عدم إعلان ترشحه بعد.

الرئيس تبون أعلن منذ وصوله إلى الحكم أنه قرر إلغاء لقب الفخامة الذي كان يستخدم لمناداة رئيس الجمهورية في عهد بوتفليقة

وقالت مصادر أن الرئاسة الجزائرية تشير إلى رفع حزب التجمّع الوطني الديمقراطي الموالي، صورة مرسومة كبيرة الحجم للرئيس تبون، بمثل طريقة الصور التي ترفع في الملاعب، خلال تجمع شعبي عقده بمدينة ميلة شرقي الجزائر، وخلفت الصورة استياء لافتا لدى مصالح الرئاسة.

كما كانت هيئات موالية قد وضعت صورة الرئيس على لوحة عرض عليها لباس تقليدي جزائري، وهو ما استفز السلطة خاصة أنه يذكر الجزائريين بمشاهد كانت تجري قبل الحراك الشعبي خلال فترة مرض وغياب الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن المشهد، خاصة نهاية عام 2018.

واعتبرت الرئاسة الجزائرية، وفقا للتقارير الصحفية، أن هذه “مظاهر مقززة بعيدة كل البعد عن التبجيل والتقدير والاحترام، بل بالعكس هي سلوكيات مريضة يجب الالتفات إليها ومحاربتها بكل الوسائل”.

وأوضحت أن “مثل هذه الملاحظات السلبية لا تمت للنضال والتأييد أو المساندة بأي صلة، بل تلطخ الصورة التي اكتسبتها الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، بعد استرجاع الدولة هيبتها والمواطن الجزائري كرامته، واستردت المؤسسات أدوارها من القوى غير الدستورية التي كانت تقتات من هذه الممارسات البائدة، التي ما كان لمن يحاولون توظيفها لأغراض سياسية أن يعيدوا استنساخها تحت أي عنوان أو مبرر”.

الرئاسة نشرت في مناسبات سابقة بيانات رسمية تلفت إلى رفضها تكرار مظاهر سابقة

ومنذ وصوله إلى الحكم، وفي أول خطاب له في 19 ديسمبر 2019، أعلن الرئيس تبون أنه قرر إلغاء لقب الفخامة الذي كان يستخدم لمناداة رئيس الجمهورية في عهد بوتفليقة، والاكتفاء بالصفة الرسمية. كما كانت الرئاسة قد نشرت في مناسبات سابقة بيانات رسمية تلفت إلى رفضها تكرار مظاهر سابقة.

وفي فبراير 2023 أعلنت الرئاسة الجزائرية عن “التبرؤ مما صدر عن مسؤولي جامعة باتنة، الذين قاموا وبمبادرة شخصية ومعزولة منهم، بتكريم رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، بواسطة لوحة”. وأكد بيان الرئاسة الجزائرية حينها أن تجسيد صورة الرئيس في لوحة للتكريم، “يعيد إلى الأذهان حقبة مشينة”. واعتبرت أن ما قام به مسؤولو الجامعة “تصرف لا يمت بصلة لطريقة تفكير رئيس الجمهورية”.

وفي مارس 2023، أصدر الرئيس تبون تعليمات إلى المسؤولين الحكوميين بالحد من تعبيرات التملق، حيث “أمر بالامتناع نهائيا عن الاستعمال المبالغ فيه لعبارات سياسية نمطية تمجد الشخصيات عبر وسائل الإعلام، توحي بأن كل نشاط حكومي مهما كان نوعه هو بتوجيه من رئيس الجمهورية”. وفي شهر ديسمبر الماضي، تدخلت الرئاسة الجزائرية، لإجبار وزارة التعليم العالي، على إلغاء مؤتمر علمي “حول التحليل السوسيولوجي لخطاب الرئيس عبدالمجيد تبون في القمة العربية”، بتزكية من وزير التعليم العالي وحاكم الولاية.

وجاء في تقرير لصحيفة “الخبر”، “يبدو أن الحنين إلى الممارسات الفولكلورية التي كانت تميز المشهد السياسي قبل 2019، بدأ يتسلل إلى صدور أصحاب النفوس الضعيفة، وهو ما يستدعي التذكير والتحذير”.

ويطنب الرئيس الجزائري في خطاباته عشية الانتخابات في الحديث عن الجزائر الجديدة والأهداف التي خرج من أجلها الشعب في انتفاضة فبراير 2019 والتي طالب فيها بالتغيير، في تصريحات تبدو متناقضة إذ أن الاحتجاجات التي خرجت في تلك الفترة واستمرت حتى بعد استقالة بوتفليقة طالبت برحيل جميع رموز النظام بمن فيهم تبون نفسه الذي اعتبره المحتجون رمزا وامتدادا للنظام السابق.

وفي استعراضه للإنجازات خلال 4 سنوات من حكمه، ركز تبون على الفترة التي سبقته والتي كانت سببا في احتجاجات 2019 متحدثا عن “الأزمة الخطيرة التي وضعت آنذاك مؤسسات البلاد على المحك بسبب تدهور الحكامة وتفشي الفساد وما تبعهما من تلويث للحياة السياسية وتكريس لمناهج استثمار استباحية للمال العام مما أدى إلى أزمة ثقة عميقة بين سلطة غائبة ومغيبة ومواطنين مقيدين خاب أملهم”.

وعلى خلاف ما ذكره، نددت منظمات حقوقية محلية ودولية بالتضييق على الحريات وقمعها بالقوة من خلال الترهيب واعتقال العديد من نشطاء الحراك الشعبي والإعلاميين المعارضين لنهجه.

5