وزير الدفاع السعودي في واشنطن لاستدامة معادلة الحماية مقابل المصالح

الرياض- كشفت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن في أوج التصعيد الذي تشهده الحرب في غزّة، عن عدم استعداد السعودية، تحت أي ظرف، للابتعاد عن الولايات المتّحدة ولتغيير المعادلة الأساسية التي حكمت التحالف المتين معها طيلة عقود من الزمن والقائمة على ضمان أمن المملكة مقابل تأمين المصالح الأميركية الاقتصادية والمالية والسياسية لديها.
وبحث الأمير خالد خلال لقائه، الخميس، في مقر وزارة الخارجية بواشنطن مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، “التنسيق المشترك الرامي إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة”.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أنّ الطرفين استعرضا خلال اللقاء “العلاقات الإستراتيجية الوثيقة بين المملكة والولايات المتحدة وسُبل تعزيزها، وبحث الجهود والتنسيق المشترك الرامي إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة”.
◙ الرياض نجحت بالفعل في نسج شبكة علاقات متينة مع كل من الصين وروسا إضافة إلى دول غربية وازنة ولكنْ على أسس اقتصادية محضة
كما ناقشا “أوجه التعاون بين بلديهما بما يُسهم في تحقيق رؤيتهما لدعم الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا”.
ورغم الصيغة الفضفاضة التي حملها عنوان “تهدئة الأوضاع في المنطقة”، دون الإشارة إلى الحرب في قطاع غزّة، فقد اعتبر مراقبون أن التطرّق إلى الموضوع بروتوكولي وشكلي إلى أبعد الحدود، على اعتبار أنّ السعودية لا تمتلك قدرة فعلية على تغيير مسار الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، وأنها لا تطمح أصلا لتعديل الموقف الأميركي من تلك الأحداث لعدم امتلاكها الأوراق اللازمة لذلك.
وقال هؤلاء إنّ الموضوع الأساسي للزيارة هو ما قام وزير الدفاع السعودي بمناقشته مع نظيره الأميركي لويد أوستن، ويتعلّق بأمن المملكة وضمان استدامة الولايات المتّحدة الالتزام بتحقيقه، بعيدا عما جرى التنظير له خلال السنوات الأخيرة بشأن جهود السعودية لتنويع شبكة تحالفاتها مع باقي القوى الدولية بهدف تقليص الاعتماد على الولايات المتّحدة التي أبدت في عهد الإدارة الأميركية بقيادة جو بايدن تراخيا في الالتزام بحماية السعودية من التهديدات.
ويقول مراقبون إنّ الرياض نجحت بالفعل في نسج شبكة علاقات متينة مع كل من الصين وروسا إضافة إلى دول غربية وازنة ولكنْ على أسس اقتصادية محضة قد تكون مفيدة في تعديل بعض المواقف السياسية، ولكنّها غير كافية للحلول محلّ التحالف مع واشنطن والذي ترتبط به قضية الأمن شديدة الحيوية.
وأكّد أوستن أهمية زيادة وتوسيع التعاون الدفاعي بين بلاده والمملكة العربية السعودية. وجاء في بيان لوزارة الدفاع “البنتاغون” أن الوزير أكد خلال اللقاء مع نظيره السعودي التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة.
وشكر أوستن الرياض على دورها الإقليمي، مشيرا إلى أن واشنطن ستواصل العمل معها بشأن التهديدات في المنطقة.
وانتظر مراقبون أنّ تتّخذ القيادة السعودية خطوة تكتيكية مرتبطة بالوضع الإقليمي المتفجّر تلائم مكانة المملكة التي ينظر إليها في المنطقة كنصير وازن للقضية الفلسطينية، بإرجائها التواصل عالي المستوى مع الحكومة الأميركية وتأجيل مناقشة المواضيع الحساسة من قبيل المواضيع المتعلّقة بالأمن والدفاع، وذلك تماشيا مع حالة الامتعاض الشعبي في السعودية وحولها من الموقف الأميركي المساند بالكامل لإسرائيل.
غير أنّ زيارة الأمير خالد للولايات المتّحدة أبرزت إلى الواجهة ما بات يطلق عليه من قبل المتابعين للشأن السعودي سياسة “السعودية أولا”، في إشارة إلى تقديم المملكة لمصالحها على أي اعتبارات أخرى ولو كان ذلك على حساب مكانتها في الإقليم وعلاقاتها مع دوله وشعوبه.
وقال متابعون لزيارة وزير الدفاع السعودي إلى الولايات المتّحدة إنّ هدفها الأساسي هو تطويق تداعيات الأحداث في غزّة على السعودية ذاتها، وتحديدا على ما قامت به المملكة من جهود لإشاعة حالة من الهدوء حولها بما في ذلك تبريد الصراع الذي تخوضه ضد الحوثيين ومن ورائهم إيران.
وبحسب هؤلاء، فإن من مصلحة السعودية أن لا تتراجع الولايات المتّحدة عن الانخراط في عملية السلام الذي تسعى المملكة لتحقيقه في اليمن، وقد تلجأ الرياض في سبيل ذلك لطمأنة واشنطن بشأن مضيها في عملية التطبيع مع إسرائيل حالما تكون الظروف مهيّأة لذلك.
واعتبر روبرت جوردان سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى السعودية إنّ من بين الأسباب المحتملة لزيارة وزير الدفاع السعودي إلى واشنطن وسط الأوضاع المتوترة في المنطقة هو التخفيف من وقع المواقف التي اتّخذتها المملكة من إسرائيل على خلفية الحرب التي تخوضها في غزّة.
وقال في مقابلة مع شبكة سي.أن.أن الأميركية إنّ “السعوديين يعتبرون أنفسهم أوصياء على المكانين الأكثر قدسية لدى المسلمين السنّة. ولديهم مسؤولية أوسع بسبب ذلك. وأعتقد أنهم سيجدون أنه من غير الممكن تقريبا تشجيع غزو إسرائيلي واسع في ظل هذه الظروف”.
وتابع قوله “أعتقد أنهم سرا مذعورون مما فعلته حماس وهم ليسوا أصدقاء لها”، مضيفا “سنرى السعوديين أكثر تعاونا لكن تصريحاتهم العامة مختلفة”.
وبشأن ما يطلبه السعوديون من الولايات المتّحدة قال جوردان “أعتقد أنهم سيواصلون على الأرجح محادثاتهم مع الولايات المتحدة ويطلبون بهدوء بعض الأشياء نفسها التي كانوا يطلبونها بموجب خطة التطبيع السعودية – الإسرائيلية. وهو الوصول إلى معدات عسكرية أميركية وتكنولوجيا نووية، وسيقولون شيئا ما للفلسطينيين”.