وزير الداخلية الفرنسية يختتم جولته المغاربية بحزمة وعود تنتظر التنفيذ

تونس بين سيناريوهين أحلاهما مر: القبول باستقبال أبنائها المرحلين وما يثيره ذلك من ردات فعل اجتماعية، أو الرفض وبالتالي فقدان المساعدات الأوروبية
الاثنين 2020/11/09
دارمانان قدم قائمات بالمتطرفين الذين تريد باريس ترحيلهم

الجزائر – اختتم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان جولته المغاربية التي قادته إلى كل من تونس والجزائر، عائدا لبلاده بحزمة من الوعود أهمها تعزيز التنسيق مع البلدين في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب، والقبول بإعادة العشرات من المواطنين من الدول المغاربية الموجودين على الأراضي الفرنسية بطريقة غير قانونية وتدور حولهم شبهات تطرف.

وكانت جولة دارمانان مقررة منذ فترة للمنطقة، إلا أن الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا مؤخرا وآخرها إقدام مهاجر تونسي غير شرعي بقتل 3 أشخاص قرب كنيسة في مدينة نيس، أكسبتها أهمية خاصة. 

ولطالما شكلت الهجرة غير الشرعية من السواحل المغاربية هاجسا لدول الاتحاد الأوروبي ولاسيما إيطاليا وفرنسا، وزاد دخول معطى جديد وهو استغلال متطرفين لها للعبور إلى القارة العجوز وشن هجمات من حدة تلك الهواجس، في ظل صعوبات يواجهها الأوروبيون أنفسهم في الداخل لاحتواء مدّ التطرف في ظل وجود تيارات إسلامية نشطة استغلت مناخ الحريات لنشر أفكارها في أوساط الجاليات المسلمة.

 وفي السابق كان السبب الأساسي لهجرة الآلاف من شباب الدول المغاربية إلى أوروبا هو البحث عن فرص عمل جديدة وإعالة عائلاتهم لاسيما مع انسداد الأفق في بلدانهم، ولكن لوحظ في السنوات الأخيرة تغير على هذا المستوى وبات العشرات من المتطرفين يسعون للوصول إلى السواحل الأوروبية لتنفيذ هجمات، وهذا ما دفع فرنسا إلى دق جرس الإنذار لاسيما بعد عملية نيس.

وخلال زيارته إلى تونس والجزائر قدم دارمانان قائمات برعايا البلدين المقيمين بصفة غير قانونية والمتهمين بالتطرف والذين تريد باريس ترحيلهم، وهو ما سبق أن قام به في المغرب في أكتوبر الماضي، وفق ما أفادت أوساطه.

وبحسب وزارة الداخلية الفرنسية تضم قائمة المهاجرين غير الشرعيين المتطرفين 231 شخصا منهم 60 تونسيا ومثلهم من المغاربة وأكثر قليلا من الجزائريين، جعلت من ترحيلهم أولوية.

وأقرت وزارة الداخلية الفرنسية بأن "هناك صعوبة متزايدة" لإجراء عمليات الترحيل "أولا بسبب كوفيد - 19 وغلق الحدود. كما يجب على البلدان الأم قبول ترحيلهم، ويتطلب ذلك وقتا".

وأشاد دارمانان بتعاون الجزائر المستمرّ، خاصّة في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب"، مشيرا إلى تبادل المعلومات بين مصالح الاستعلامات الداخليّة في البلدين.

من جهته، أكّد نظيره الجزائري كمال بلجود، خلال مؤتمر صحافي مشترك على حرص بلاده على تعزيز هذا التعاون مع باريس قائلا إن "نظرتنا متطابقة في كلّ الملفات التي تطرّقنا إليها".

وخلال وجوده في الجزائر عقد دارمانان محادثات أيضا مع رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، كما التقى بوزير الخارجية صبري بوقدوم، لكنه لم يجتمع بالرئيس عبدالمجيد تبون الذي دخل المستشفى في ألمانيا بسبب إصابته بكوفيد - 19.

وكان لدارمانان لقاء مع وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي الذي أكد ضرورة استئصال "جميع أشكال العنف والتطرف مهما كان مصدرهما" مبرزا، بحسب بيان صادر عن وزارته، أن "الإسلام دين محبة وسلام وتعايش".

وتبدو الأمور أسهل مع الجزائر منها مع تونس التي سبق وواجهت سلطتها ضغوطا في الداخل رفضا لترحيل روما لمواطنين تونسيين، وصلوا السواحل الإيطالية بطريقة غير قانونية. 

وكانت تونس عبرت خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي، الجمعة الماضي، عن استعدادها لاستقبال "أي تونسي" وفقا لشروط وضوابط وأهمّها صون كرامة التونسيّين وتمكينهم من استنفاد جميع طُرق الطعن المخوّلة لهم في فرنسا قبل ترحيلهم.

وأكد وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين لنظيره الفرنسي أنّ ظاهرة الإرهاب لا يمكن مقاومتها بشكل انفرادي بل هو تحدّ يواجه العالم بأسره مشيرا إلى ضرورة تكاتف المجهودات على مستوى دولي للنجاح في القضاء على الإرهاب.

وبيّن شرف الدين أنّ إعادة النظر في تنظيم الهجرة غير النظامية تستدعي مقاربة شاملة تقوم أساسا على حلول تنموية واجتماعية ثقافية للقطع مع أسبابها الحقيقية والعميقة.

وأفاد مصدر فرنسي بأن تونس تلقت بمناسبة الزيارة هبة بقيمة 10 ملايين يورو لتوفير معدات إضافية لمراقبة حدودها.

وعبّرت 29 منظمة غير حكومية في بيان مشترك، الجمعة، عن "رفض استخدام الهجمات الإرهابية الجهادية للضغط على الحكومة التونسية لقبول عمليات الإعادة الجماعية القسرية للمهاجرين وفتح مراكز اعتقال في تونس".

ويرى حقوقيون أن قبول تونس بترحيل التونسيين من فرنسا يتنافى مع الفصل 25 من الدستور الذي يتحدث عن عودة طوعية وليس عن ترحيل معتبرين أن موقف وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية يشير إلى ضعف وتخاذل ورضوخ لإملاءات جهات خارجية.

وتستند المفاوضات حول الترحيل إلى اتفاقية 2008 المبرمة بين فرنسا وتونس، وكانت الدولة التونسية تتفاوض حالة بحالة، ولم يسبق لها أن قبلت بترحيل جماعي.

ويعتبر هذا الملف حسّاسا لدى التونسيّين. وقد شهدت البلاد مظاهرات في 2016 رافضة لقبول عودة تونسيين إلى البلاد بعد أن التحقوا بتنظيمات جهادية في سوريا.

ويقول المراقبون إنه على خلاف الجزائر فإن وضع تونس أصعب حيث لا تستطيع رفض أي طلبات أوروبية لاسيما في علاقة بالقبول بعودة أبنائها لأن ذلك قد يحرمها من دعم مالي هي في أمس الحاجة إليه في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعيشها، ومن جهة  ثانية تخشى ردات فعل اجتماعية جراء الخضوع للمطالب الأوروبية.