وزير الخارجية السعودي لنظيره الأميركي: لا نستجيب للضغط

الرياض - قالت دوائر سياسية عربية إن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية لم تحقق الأهداف المرجوة منها، وهو ما بدا واضحا من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد الخميس بين الوزير الأميركي ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والذي غلب عليه الخطاب السجالي.
ورأت الدوائر أن تصريحات الوزيرين الأميركي والسعودي تعكس استمرار التباينات في العديد من القضايا، ومنها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان حيث شددت المملكة على أنها لن تقبل أي ضغوط، سواء في هذا الملف أو في غيره.
وقال بلينكن إن الولايات المتحدة ستبقي موضوع حقوق الإنسان على جدول أعمال المحادثات مع السعودية، لافتا إلى أنه جرت مناقشة قضايا محددة حول مواطنين أميركيين محتجزين في المملكة، لكنه لم يخض في التفاصيل.
واعتبر بلينكن أن مسعى الإصلاح “التاريخي” المعروف باسم “رؤية 2030” سيتطلب من السعودية جذب المواهب من جميع أنحاء العالم. وأردف قائلا “أعتقد أن من مصلحة السعودية الاستمرار في هذا التحديث، الذي يشمل توسيع نطاق حقوق الإنسان، لما يحمله من فوائد ومميزات”.
الهدف الأساسي من الزيارة هو أن رغبة واشنطن في استيعاب النفوذ الصيني في المنطقة، لم يتحقق كما هو الحال بالنسبة لباقي الملفات الخلافية
وأفرجت السلطات السعودية عن عدد من الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأميركية لكنها لا تزال تمنع بعضهم من السفر.
ويرى متابعون أن تركيز إدارة الرئيس جو بايدن على قضايا حقوق الإنسان في المملكة، يثير حساسية كبيرة لدى الرياض التي تعتبر أن إثارة هذا الملف لا يخلو من خلفيات سياسية.
وفي رد من قبله على تصريحات بلينكن، قال وزير الخارجية السعودي خلال المؤتمر إن المملكة أجرت “عملية إصلاح كبيرة”، لكن “احتياجات الشعب السعودي ورغباته” هي التي دفعت الحكومة إلى ذلك وليس الضغط من دول أخرى. وأضاف “نحن منفتحون دائما على إجراء حوار مع أصدقائنا، لكننا لا نستجيب للضغط. عندما نفعل أي شيء نفعله من أجل مصلحتنا الخاصة”.
ومن النقاط الخلافية المستمرة بين الجانبين الموقف من تطبيع العلاقات مع سوريا، حيث شدد بلينكن على أن “موقفنا هو أن سوريا لا تستحق العودة إلى الجامعة العربية ونعتبر أن نظام الأسد لا يستحق بعد القبول والاعتراف”.
وأعرب الوزير الأميركي عن شكوك بلاده بشأن رغبة الرئيس السوري في اتخاذ الخطوات اللازمة بشأن المشكلات التي يتعين حلها.
وكانت السعودية لعبت دورا رئيسيا في كسر العزلة عن سوريا، وإعادة مقعدها في الجامعة العربية، وقد استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحفاوة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت الشهر الماضي على أراضي المملكة.
وقال الأمير فيصل بن فرحان إن “بصرف النظر عن الموقف من نظام الأسد فإن الوضع الحالي والمقاربات السابقة في التعاطي معه لم تؤد إلى نتيجة ولم تحل الوضع الإنساني المتردي والقضايا المتعلقة باللاجئين السوريين”، في انتقاد غير مباشر لواشنطن على استمرارها في ذات النهج حيال دمشق.
اقرأ أيضا:
ولا يبدو أن زيارة بلينكن إلى المملكة حققت الكثير أيضا على مستوى تطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية، حيث لا تزال الرياض متمسكة بشروطها في ما يتعلق بهذا الملف، ومنها إقامة دولة فلسطينية، فضلا عن ضمانات أمنية، وأخرى في علاقة بالسماح لها ببناء برنامج نووي مدني، وهو ما تتحفظ عليه كل من واشنطن وتل أبيب.
وقال الوزير السعودي في كلمته في المؤتمر إن “التطبيع في مصلحة المنطقة، ولكن تنفيذه دون مسار لحل القضية الفلسطينية ستكون منافعه ضعيفة جدا”.
وجدد تأكيد بلاده على أهمية بناء برنامج نووي مدني، مشيرا إلى أن “المملكة تفضل أن تكون الولايات المتحدة أحد مقدمي العروض لهذا البرنامج”.
وقد تجنب بلينكن خلال المؤتمر الإشارة إلى موقف بلاده من البرنامج النووي المدني، في موقف يعكس الكثير، واقتصر الوزير الأميركي على التأكيد أن “واشنطن ستواصل لعب دور رئيسي في تعزيز التطبيع مع إسرائيل والتوسع فيه”، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “تؤيد اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط، لأن ذلك يخدم مصالح المنطقة”.
ويرى مراقبون أن نقاط التباعد بدت واضحة في تصريحات الوزيرين الأميركي والسعودي، في المؤتمر الصحفي، لكن الطرفين يبدو أنهما يحاولان خلق مساحة مشتركة للتفاهم.
ويلفت المراقبون إلى أنه لا يمكن القول إن زيارة بلينكن كانت مثمرة من حيث النتائج، وإن تضمنت حديثا صريحا حول الملفات الخلافية.
وقال الوزير السعودي إن هناك خلافات في الرأي لكن البلدين يعملان على إيجاد آليات تمكنهما من العمل معا. ولفت إلى الهواجس الأميركية حيال التقارب السعودي مع الصين، قائلا إنه لا يرى أن علاقات بلاده مع الصين تتمّ على حساب الروابط مع الولايات المتحدة، مؤكدا أنه “لا تزال لدينا شراكة أمنية قوية مع الولايات المتحدة يتم تجديدها بشكل يومي تقريبا”، رغم ترجيحه تنامي التعاون مع الصين.
وبرز دور بكين، خصم واشنطن، في الشرق الأوسط في مارس الماضي عندما رعت اتفاقا مفاجئا بين الرياض وطهران على استئناف العلاقات بين أبرز قوّتين إقليميّتين في الخليج بعد سبع سنوات من القطيعة.
وأضاف الوزير السعودي “نحن جميعا قادرون على إقامة شراكات والتزامات متعددة، والولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه في الكثير من الحالات”. في المقابل شدد بلينكن على “أننا لا نطلب من أحد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين”.
وبدأ بلينكن زيارة إلى السعودية الثلاثاء الماضي، والتقى خلالها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما تضمنت أجندتها اجتماعا مع وزراء دول الخليج، في محاولة من قبل واشنطن لتخفيف الهوة بينها وشركائها في المنطقة في الكثير من الملفات.
وبلينكن هو ثاني مسؤول أميركي كبير يزور السعودية خلال أقل من شهر، بعد زيارة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان في السابع من مايو. ويقول خبراء إن الهدف الأساسي من الزيارة ألا وهو رغبة واشنطن في استيعاب النفوذ الصيني في المنطقة، لم يتحقق كما هو الحال بالنسبة لباقي الملفات الخلافية.