وزير الثقافة العراقي: الثقافة عابرة للظروف ويمكنها بناء ما هدمته السياسة

بغداد - أكد وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي حسن ناظم وجود قطيعة مع العالم العربي منذ التغيير في العراق في أبريل سنة 2003، وسببها معضلة السياسة.
وأكد ناظم أنّه حاول أن يعيد الصلة مع المحيط العربي من خلال مجلة "الكوفة" التي صدرت باللغتين العربية والإنجليزية، واستطاعت أن تخلق بيئة تفاعلية مع الكتاب والمترجمين العرب.
وأضاف "ما زال هناك نوع من النفور وعدم التواصل مع العراق كمؤسس وفاعل في الثقافة العربية"، مؤكدا أنّ "الثقافة عابرة لمثل هذه الظروف ويمكنها أن تبني ما هدمته السياسة".
يأتي ذلك خلال ندوة افتراضية أقامتها كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، أدارها سعيد السيابي رئيس اللجنة الثقافية والإعلامية في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، والشاعر والكاتب عبدالرزاق الربيعي نائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي.
انحسار دور الجامعات
وتوجه الشاعر عبدالرزاق الربيعي لوزير الثقافة العراقي بسؤال "ماذا بقي في ذاكرتك عن مرحلة الدراسة الجامعية، التي كلنا نعرف دورها في دفع الحراك الثقافي إلى الأمام".
ويقول ناظم في إجابته "لا بدّ من الاعتراف بأنّ دور الجامعة في خلق الحركات الأدبية والفكرية في العالم العربي قد انحسر كثيرا وأسباب ذلك عديدة ومتنوعة"، مضيفا "في يوم ما كانت الجامعة هي الموئل لتجديد الأدب والفكر، ولظهور مفكرين كبار في مصر والعراق وسوريا ولبنان كبلدان أساسية صاغت حركات التجديد في الأدب والفكر العربي".
وتابع "كانت دار المعلمين العالية الحاضنة، وهي التي فرّخت تجديد الأدب، وحركة الشعر الحر، فظهر السياب، ونازك الملائكة، والبياتي، ومحمود البريكان وإن كان بعيدا عن الجو الأكاديمي. في مصر كان هناك دور لجامعة القاهرة، وكانت الجامعات هي المكان الذي ينظر إليه على أنّه بناء يتأسس فيه أدب جديد".
وأشار الوزير إلى افتقار الجامعات حاليا إلى الحرية الواسعة التي تمكّن الجامعة من أن تكون عقلا للمجتمع.
وعن القراءات التي أثرت فيه يشير حسن ناظم "لقد ولدت في النجف وهي بيئة ثقافية أدبية يفتح المرء عينيه فيها على القرآن الكريم، ونهج البلاغة، والجواهري، والمتنبي، وقد ظلت هذه المؤثرات عالقة بي وأثرت في طبيعة التكوين والذائقة اللغوية، وعشق اللغة العربية، فقراءاتنا الأولى سلحتنا بنطق سليم وإمساك معين بناصية اللغة، لكنها لم توفر لنا منهجية، ولاحقا اطلعنا على منتجات العالم الغربي، وتعلمنا لغات أخرى فكانت المناهج سبيلا جديدا للنظر بعين أخرى إلى ما تعلمناه سابقا، والآن أنظر إلى الجواهري بغير النظرة التي كنت أنظر بها إليه".
نمطية وبطء
وسأل سعيد السيابي عن مدى محافظة الجامعات على دورها، فأجاب الوزير بالقول "إنّ الجامعات برغم تباين مقرراتها الدراسية في المذاهب الأدبية والمناهج النقدية والأدب العالمي، ومن مراقبتي لها في أكثر من بلد عربي درّست فيه، توجد فيها نمطية وبطء في التواصل مع ما ينتج خارج إطار العالم العربي، فالمذاهب كالكلاسيكية والرومانسية، والمناهج النفسية والشكلية لا تواكب ما يحدث من تطورات في الغرب، ليس في الجامعات فحسب بل حتى في الأوساط الثقافية، فالسياسة هي التي تحكمها، وحين نتأمل ما يتسرب إلى الجامعات وإلى عالم النقد الأدبي في العالم العربي لا نجد خطة واضحة لاستقدام المناهج ولا يبدو للجامعة أي تأثير، فلا نستطيع أن نقول إنّ هذه الجامعة استجلبت البنيوية مثلا، وإنما هناك مجموعة مترجمين ترجموا كتبا عن هذه المناهج، فالمسألة محكومة بالاعتباطية، فمثلا حين كتب عبدالله الغذامي عن منهج النقد الثقافي، كان هذا المنهج موجودا في الغرب منذ الستينات، وهو مرافق للبنيوية والتفكيكية.
في زمن الحكم الدكتاتوري اعتقدت أنّ الكتابة بهذا النوع من المناهج سببها أنه لا يثير سخط أحد كمناهج التحليل الماركسي أو الاجتماعي أو الثقافي للأدب، لأنّها تتولى فحص النصوص وعلاقتها بالناس، فالبنيوية تذهب إلى اللغة دون أن تمتد إلى الموضوعات السياسية والأيديولوجية، والمحللون والنقاد من اليساريين والماركسيين لجأوا إلى التحليلات الشكلية نشدانا للأمان، فيمكن القول بوجود ربط بين القمع ومناهج نقدية معينة!".
ويضيف "هناك جامعات تحرص على رصانتها من خلال طبيعة الأطروحات المتماسكة في مخرجاتها على مستوى الدراسات العليا، ويشار لها بالبنان، فالروح حية في العراق بفعل المبادرات الفردية لا المؤسسات التي تعاني من نقص كبير في الكفاءات، فجيلنا في الثمانينات درس على يد أساتذة تخرجوا من جامعات غربية أو عربية مرموقة أمثال علي جواد الطاهر وعناد غزوان، لكن الحرب في الثمانينات والحصار جعلانا نخسر هذه الكفاءات بالموت أو الهجرة، ولا نجد لها تعويضا، وغيابها هو الذي أضعف الإنتاج الثقافي إجمالا والحركة النقدية، وأضعف مقدار ما تسهم به الجامعات من تجديد للأدب، وأستثني مبادرات عمالقة وكبار وأساتذة جدد في العراق.
تعدّدية المجتمع
ولفت ناظم إلى وجود مشكلة في مفهوم التثاقف، فالدستور العراقي الحالي يؤمن بتعددية المجتمع من كرد وتركمان وعرقيات ومذاهب، وهذا لم يكن موجودا زمن الدكتاتورية، وأضاف "مثلا دعيت إلى منتدى العلاقات العربية الكردية لأقدم بحثا فلجأت إلى دراسة حضور الكردي في الأدب العربي، وقرأت خمسين رواية لم أجد حضورا للكرد فيها، ووجدت ظلا باهتا للشخصية الكردية وعللت ذلك بأن السلطة لا تقبل بهذا الحضور حتى في الروايات التي كتبت في الخارج، كذلك الأمر في الآداب غير العربية فلا وجود مثلا للأمازيغ".
وعن استثمار الثقافة كقوة ناعمة قال ناظم "العراق بلد غني ويتنوع غناه في الثقافة والسياحة والآثار ويجب أن يتأسس على عقل منفتح، ويؤمن بالتعايش مع الآخر والتثاقف معه، وإذا لم تكن هناك بيئة آمنة لا يمكن أن يكون هناك استثمار، وهناك معضلة الدولة الريعية التي تعتمد على النفط".
وبشأن الجهود في استعادة الآثار المسروقة، أشار الوزير العراقي إلى وجود جهود من الأمم المتحدة واتفاقات مع دول الجوار لاسترداد الآثار العراقية المنهوبة.
وعن دور المنظمات الدولية في العراق، أجاب ناظم أنّ هناك منظمات فاعلة تعمل في العراق، فاليونسكو تنفذ مشروعين لإعادة بناء منارة الحدباء والجامع النوري وكنيستين في الموصل بتمويل من دولة الإمارات العربية، وهناك مشروع لتأهيل خمسة بيوت تراثية في البصرة بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
تواصل
وبشأن التواصل مع مثقفي العراق في الخارج، أشار ناظم إلى "محاولة تأسيس علاقة مع مبدعي العراق في الخارج الذين ربما يفوق عددهم من هم في الداخل، وهذا يقتضي تدابير كثيرة، كما فكرنا في أن نؤسس للتشكيل العراقي المغترب، لأنّ هناك فنانين كبارا خارج العراق".
وأكد ناظم أن الوزارة عملت على استراتيجتين، هما بناء البيت الداخلي، ووضع هيكلية جديدة وكادر شبه جديد.
وقال "نفكر في استراتيجية لوضع مهمات أخرى للوزارة لبناء الدولة، وعملنا على استرداد الآثار، ونعول على زيارة البابا فرنسيس مطلع مارس المقبل في إنعاش السياحة".
وأضاف "تبنينا مشروعا لترجمة مئة كتاب من لغات مختلفة لنعرف كيف ينظر الآخرون إلينا بعد سنة 2003، وبادرنا بإعادة طبع ديوان الجواهري، وماضون في طبع الأعمال الكاملة للشاعر حسب الشيخ جعفر، وأعمال كبار الشعراء في القرن العشرين، وأسسنا لمؤتمر سنوي عن العلوم الاجتماعية، وفكرنا في إعادة صياغة إنتاج الكتاب العراقي".