وزير الإعلام الجزائري يورط بلاده بتصريح عن عداوة تسعة آلاف صحافي لها

أثار وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان موجة انتقادات واسعة بعد أن ورط بلاده بتصريح عن وجود جيش خارجي من الصحافيين يعملون على تشويه بلاده يبلغ تسعة آلاف صحافي، ليأتيه الرد من صحافيي بلاده.
الجزائر - تورط وزير الاتصال الجزائري محمد مزيان بتصريح غريب أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بزعمه أن أكثر من تسعة آلاف صحافي عبر العالم يعملون على تشويه صورة الجزائر، ما فتح عاصفة من الانتقادات للوزير بشأن مصدر الرقم المبالغ به ومن الجهة التي أحصت هذا الرقم والسبب الذي يدفع الآلاف من الصحافيين لمهاجمة أي بلد إذا كان يسير على الطريق الصحيح.
وبدا الوزير الجزائري الذي يدير قطاع الإعلام في بلاده، أنه يريد منح بلاده شأنا كبيرا ومكانة متميزة تثير غيرة الدول الأخرى والصحافيين ليشكلوا لوبيّا في أنحاء العالم لمهاجمتها، لكن التضخيم والمبالغة أظهرا أن تصريحه تحول من دعاية وترويج إلى سبب في حملة معاكسة رأى فيها صحافيون وناشطون أن خطاب مزيان غير مسؤول وأشبه بتصريح صناعي وليس إعلاميا، وهو يشير إلى عجز المنظومة الإعلامية في بلاده عن إعطاء صورة إيجابية لها وفشلها في الترويج لسياسة متوازنة وعلاقات جيدة مع جيرانها والمجتمع الدولي ككل.
وعلق الصحافي محمد إيوانوغان على موقع فيسبوك قائلا “عندما يعلن وزير الاتصال أن 9000 صحافي في العالم يعملون على تشويه صورة الجزائر فهذا لا يعني أن الجزائر على صواب والعالم على خطأ أو أن الجزائر هي البلد الذي يغار منه الجميع.”
وتابع أن “هذا الرقم، لا ندري من أين أتى به الوزير، يعني ببساطة أن الجزائر فشلت في تغيير الصورة النمطية التي تدور في وسائل الإعلام العالمية عنها.. أصبحت صورتها لصيقة بمحور الشر، ونحن لا نفعل شيئا لتغيير هذه الصورة.”
وجاء حديث الوزير ضمن محاضرة ألقاها في جامعة الجزائر 3 حول “دور الإعلام التنموي”، وبدا الاستياء واضحا في لهجة مزيان من المؤسسات الإعلامية التابعة لوزارته واعتراف بفشلها في مهمتها، إذ قال إن الإعلام الوطني وخاصة التلفزيون العمومي، يجب أن يستعيد مكانته للتصدي لهذه الحملات.
وتداولت مواقع التواصل تصريحات الوزير وسط موجة من التعليقات التي وجهت النقد اللاذع للحكومة وممثليها ورأى الكثيرون أن المشكلة ليست في الصحافيين الأجانب، بل في أداء الإعلام الجزائري نفسه. وأكدوا أن المشكلة الحقيقية ليست في “الهجمات الإعلامية”، بل في ضعف الإعلام الوطني في تقديم صورة متماسكة عن الجزائر.
وسلطت العديد من وسائل الإعلام الضوء على تصريحات مزيان إذ لم ينس أن يشن هجوما على الإعلام الفرنسي في سياق التوتر بين البلدين، وقال “عندما يريد أميركي أن يتعرف على الجزائر، فإنه يستقي المعلومات عنها من (وكالة الأنباء الفرنسية). هل تعرفون القيم التي تتبناها (وكالة الأنباء الفرنسية؟)… إنها قيم مدمِّرة!”
ووقع الوزير مرة أخرى في ورطة بالاعتراف بعدم وجود أيّ منبر جزائري ذي مصداقية ومهنية يمكن للأجانب العودة إليه واستقاء المعلومات عن البلاد منه.
وعلّق الصحافي نجيب بلحيمر بشكل ساخر على تصريحات الوزير قائلا “تصريح وزير الاتصال عن وجود تسعة آلاف صحافي عبر العالم يعملون على تشويه صورة الجزائر مساهمة كبيرة في تشويه صورة الجزائر قد تفوق كل ما يستطيع أن يفعله 9 آلاف صحافي إن وجدوا.”
وأضاف بلحيمر “أما القول بأن التلفزيون العمومي هو من يجب أن يتولى الرد فمنتهى الاستخفاف بالعقول. يجب أن تكون مدمنا على مشاهدة نشرة الثامنة حتى تمتلك الشجاعة لإطلاق هذه القنابل الصوتية…”
وحاول البعض إمساك العصا من المنتصف والتهوين من حجم سقطة الوزير. حيث قالت الصحافية ملاك بوثينة أن “نعم، هناك من يحاول تشويه صورة الجزائر، لكننا نحن من تركنا الساحة واسعة لغيرنا ليكتب علينا.. لم نكتب كفاية عن تاريخنا، ولم نروّج لثقافاتنا، ولم نُعطِ الفرصة لنخبتنا للتحدث.” وأضافت أن الإعلام الجزائري يعيش في حالة “رد الفعل” بدل أن يكون صاحب المبادرة، موضحة “نرقد كثيرًا، وحينما تأتي الضربة نستيقظ مفزوعين ونبدأ بالدفاع عن أنفسنا، وهي صورة سيئة عنا.”
وشهد الإعلام العمومي في الجزائر تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، متأثرًا بجملة من العوامل السياسية والقانونية والاقتصادية. حيث سعت السلطات الجزائرية إلى السيطرة على وسائل الإعلام وتوجيهها لخدمة السياسات الحكومية، ما أثر سلبًا على حرية التعبير والتعددية الإعلامية.
ويقول متابعون إن الإعلام الجزائري يواجه مجموعة من التحديات التي تؤثر على دوره وفاعليته. تتطلب معالجة هذه التحديات جهودًا مشتركة من الحكومة والمؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني لتعزيز حرية الصحافة، وضمان استقلالية وسائل الإعلام، وتحسين جودة المحتوى المقدم للجمهور.
◙ تصريح الوزير فسر على أن الجزائر فشلت في تغيير الصورة النمطية التي تدور في وسائل الإعلام العالمية عنها
وازدادت القيود على الصحافة، حيث تم اعتقال صحافيين وإغلاق بعض الصحف، مما أدى إلى تراجع الحريات العامة وحرية التعبير.
وطرح الصحافي أحميدة العياشي تساؤلات حول أسباب تدهور صورة الجزائر في الإعلام الدولي، مشيرًا إلى أن المشكلة لا تتعلق بعدد الصحافيين الأجانب، بل بأداء المؤسسات الجزائرية نفسها. وكتب في منشور له “السؤال الحقيقي ليس في 9000 صحافي يعملون ضدنا، بل ماذا قدمنا لتكون لدينا صحافة محترفة، قوية، متنوعة ومتعددة؟ كيف وصلنا إلى هذا المنحدر وحالة البؤس المزري؟” .
وانتقد العياشي تركيز الوزير على دعم التلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء الجزائرية فقط، متسائلًا “هل الصحافة الخاصة ليست جزائرية؟” كما طالب بمحاسبة الدبلوماسية الجزائرية على دورها في ترويج صورة البلاد في الخارج، مشيرًا إلى أن الأموال التي تُنفق على السفارات والمراكز الثقافية يجب أن يكون لها أثر أكبر في تحسين صورة الجزائر دوليًا.
وهناك جملة من الممارسات الحكومية التي أثرت سلبا على الإعلام في البلاد، إذ أنه بالرغم من التعديلات الدستورية والقانونية مثل قانون الإعلام لعام 2012 الذي ألغى عقوبة السجن للصحافيين، إلا أنه فرض غرامات مالية كبيرة، مما أثر على استقلالية المؤسسات الإعلامية وقدرتها على الاستمرار.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الإعلام العمومي من تحديات مالية، حيث يعتمد بشكل كبير على الإشهار العمومي الذي تحتكره الوكالة الوطنية للإشهار، مما يحد من استقلالية الصحف ويؤثر على مضامينها.
وفي السنوات الأخيرة، ورغم الجهود المبذولة لتطهير قطاع الإعلام وتنظيم الإشهار العمومي بهدف تعزيز الشفافية، إلا أن الإعلام العمومي لا يزال يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاستقلالية والمصداقية والتأثير.