وزيرة الثقافة التونسية توضح أن قرطاج السينمائي لن يصبح محليا

تونس - أثار بلاغ لوزارة الثقافة التونسية الاثنين العاشر من أبريل الجاري جدلا واسعا بين السينمائيين وعموم المثقفين والمتابعين في تونس، وجاء في البيان أن وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي أشرفت على جلسة عمل مع الهيئة الاستشارية المشتركة بين الوزارة والمركز الوطني للسينما والصورة ومهنيي القطاع للإعداد للاحتفاء بمئوية السينما التونسية، وتخصيص دورة 2023 من الأيام للسينما التونسية.
وفهم الكثيرون من هذا البيان أن المهرجان السينمائي العريق سيكتفي بالأفلام التونسية ويفقد بالتالي إشعاعه الدولي، بعد أن فقد استمراريته السنوية وتحول إلى تظاهرة تقام كل سنتين. حيث تم فيه التنصيص على أن دورة أيام قرطاج السينمائية لسنة 2023 ستكون خاصة بالسينما التونسية دون الإشارة إلى الطابع العربي والأفريقي للمهرجان.
وفي توضيحها للبيان قالت القرمازي إن “الدورة 34 لأيام قرطاج السينمائية ستحافظ على أسسها وخصوصيتها العربية والأفريقية مع المزيد من الانفتاح على السينما العالمية، وسنعمل على تطوير هذا المهرجان الذي يستمد قوته من شرعيته التاريخية التي تخول له كسب رهان منافسة المهرجانات السينمائية المحدثة بالساحة الفنية العالمية”.
وكشفت وزارة الشؤون الثقافية التونسية عن عودة أيام قرطاج السينمائية هذا العام واستحداث دورة تقام كل عامين.
وبينت الوزيرة أن المقصد من ذلك هو أن هذه الدورة ستهتم في جزء كبير من فعالياتها بالسينما التونسية التي تحتفي هذا العام بمئويتها، مع المحافظة على الطابع العربي والأفريقي الذي تأسست من أجله سنة 1966، قائلة “إن هذه الدورة ستكون استثنائية نظرا إلى تزامنها مع الاحتفال بمئوية السينما التونسية، وهو ما سيمثل فرصة للترويج للإنتاجات السينمائية المحلية على نطاق أوسع”.
واعتبرت أن تأسيس المهرجان يعود الى لبنات تاريخية وثقافية صنعت مهرجانا بثقل عربي وأفريقي جعله عميد المهرجانات العربية والأفريقية بإمضاء مؤسسه الطاهر شريعة، وهو ما يتطلب إعادة تركيزه على أسسه الأولى التي بني عليها وتصحيح مساره وأهدافه.
وأكدت القرمازي أن أيام قرطاج السينمائية في نسختها لهذه السنة، ستكون لها انطلاقة جديدة بتصور مدروس مستوحى من نجاحات أفضل الدورات السابقة، وشددت في هذا الصدد على الدور الريادي للأيام في المنطقة العربية والأفريقية، مما من شأنه أن يساهم في تحريك عجلة الإنتاج السينمائي في تونس واستفادة أهل القطاع من المكانة التي يحظى بها المهرجان عبر استقطابه لمنتجي السينما من أصقاع العالم.
وأشارت إلى أن الهيئة الاستشارية المشتركة بين الوزارة والمركز الوطني للسينما والصورة ومهنيي القطاع تعمل على وضع رؤية متجددة ومنفتحة لأقلمة أيام قرطاج السينمائية مع التطورات الراهنة التي تشهدها المهرجانات السينمائية المتنافسة في المشهد السينمائي العالمي، مع الحفاظ على عراقتها ومبادئها الأولية.
وعلى عكس مهرجانات سينمائية عربية أخرى فإن أيام قرطاج السينمائية انطلقت من رهان أن تكون منصة لسينما الجنوب والأعمال السينمائية التي تحمل رسائل سياسية وفنية واجتماعية وتقاوم الموجة الاستهلاكية التي ما انفكت تتعاظم، كما أن المهرجان بات ملتحما بجمهوره وعادة من عادات التونسيين لذا فهو الأكثر شعبية بين نظرائه العرب.
ويرى الكثيرون أن أيام قرطاج السينمائية مكلّفة بمهمة، كما لديها أهداف فهي من ناحية تساهم في الترويج للأفلام العربية والأفريقية وإبرازها، لاسيما تلك التي تتجذر بوضوح في الاهتمامات الاجتماعية والثقافية لبلداننا، ومن ناحية أخرى، فإنها تعزز وتدعم إحدى ميزات المهرجان الكبرى ومن مبادئه الراسخة مثل الدفاع عن الحقوق والحريات وقضايا الشعوب وغيرها.
وتحتفي تونس بمئوية سينمائها هذا العام والتي انطلقت منذ ديسمبر 2022، حيث احتفلت تونس بمرور مئة عام على ولادة السينما وانتهاجها مسارا تصاعديا أفرز بصمة خاصة وتجارب فريدة عربيا وعالميا. ويتواصل الاحتفاء بالسينما عبر تظاهرات مختلفة.
ومرت مئة عام من السينما في تونس، قرن من الزمن منذ أطلق الفوتوغرافي التونسي، الذي افتتن بالسينما الفرنسية، ألبير شمامة شكلي أول الأفلام التونسية سنة 1922 بعنوان “زهرة” تلاه فيلمه “عين الغزال”، وهذه البدايات المبكرة لم تتبلور بشكل كاف إلا مع أواسط القرن العشرين وانفصال السينما التونسية عن الفرنسية.
وكان لمنابر تعنى بالسينما الدور الكبير في انطلاقة السينما التونسية في الستينات، ونذكر بشكل خاص مجلة “نوادي السينما” التي صدر عددها الأوّل سنة 1958 وكان يرأس تحريرها الطاهر شريعة، وهو مؤسس أهم وأعرق مهرجان سينمائي لا على المستوى التونسي فحسب بل وأفريقيا وعربيا، هو أيام قرطاج السينمائية التي تأسست سنة 1966.
وتعتبر أيام قرطاج السينمائية التي تأسست منذ قرابة الستين عاما من أبرز محفزات الحراك السينمائي في تونس وأفريقيا والعالم العربي، نظرا إلى عراقته واستماتته في الخروج عن القوالب التجارية والالتزام بقضايا مبدئية مع جودة الأعمال غير التقليدية التي يقدمها.