وزن زائد

انتشرت في ستينات القرن الماضي أغنية للفنان التونسي أحمد حمزة، يتغزل فيها بالمرأة البدينة الرعبوب، حيث يشير إلى أن جمالها لا مثيل له، وعندما كاله وجد وزنه قنطارا أي ما يبلغ لدى العامة حوالي 143 كيلوغراما، في إشارة إلى حجم حبيبته من السحر والجاذبية والخصال البهية، وفق ما كان رائجا في عقود خلت.
وقد تذكرت تلك الأغنية، بمناسبة اليوم العالمي للسمنة الذي يوافق الرابع من مارس من كل عام، والذي تم إقراره في العام 2015 بهدف مكافحة السمنة وتعزيز الحلول العملية لإنهاء أزمة البدانة في العالم ودفع الجهود العالمية للحد منها ومن الأمراض التي تسببها والوقاية منها والعمل على توفير آليات علاجها.
ويعاني أكثر من مليار شخص، في جميع أنحاء العالم، من السمنة، يتوزعون على 650 مليون بالغ و340 مليون مراهق و39 مليون طفل، وهو رقم آخذ في التزايد، فيما تقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 167 مليون شخص – من بالغين وأطفال ـ ستتراجع صحتهم بسبب زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2025.
ورغم ذلك، فإن مناطق عربية عدة لا تزال تحتفي بتسمين البنات قبل زواجهن في طقوس متوارثة منذ آلاف الأعوام، إذ ترمز بدانة العروس إلى الخصوبة والجمال والقناعة، وتعني أنها قادمة من بيت عز وخير وشبع.
وأطنب العرب القدامى في مدح البدينات وتمجيدهنّ شعرا ونثرا وأمثالا ومأثورات، ومن الأسماء التي أطلقوها على الفاتنات من ذوات الوزن الزائد، الربحلة وهي المرأة إذا كانت ضخمة وفي اعـتـدال، والسبحلة وهي المرأة إذا زادت ضخامتها ولم تـقـبح، والخدبجة وهي السميـنة الممتلئة الذراعين والساقين، والبرمادة وهي السمينة التي ترتج من سمنها، والوهنانة وهي المرأة إذا كان بها فـتور عند القيام لسمنها، والعرهرة وهي عظيمة الخلق مع الجمال.
وقد أبدع الأعشى في التغزل بامرأة بدينة، “غراء فرعاء مصقول عوارضها/ تمشي الهوينى/كما يمشي الوجي الوحل/كأن مشيتها من بيت جارتها/مرّ السحابة لا ريث ولا عجل”.
وقال في قصيدة أخرى “من كل بيضاء، مِكْسال برهرهة/ زانت معاطلها بالدر والذهب/حوراء، عجزاء، لم تُقذف بفاحشة/هيفاء رعبوبة، مكمورة القصب”.
وجاء في شعر الأحوص، “من المدمجات اللحم جدلا كأنها/عنان صاع أنعمت أن تجودا”. وقال بشار بن برد، “وإذا مشت نحو بيت جارتها/خلت من الرمل خلفها حقف/يرتج من مرطها مئزرها/وفوقه غصن بانة قصف”، أما المتوكل الليثي ، فزاد في تصوير المليحة السمينة “إذا تمشي تأود جانباها/وكاد الخصر ينخزل انخزالا/تنوء بها روادفها إذا ما/وشاحها على المتن جالا”.
وقد فاخر المتنبي في حضرة كافور الإخشيدي بالبدويات السمينات، مؤكدا “ما أوجه الحَضَر المستحسنات به كأوجه البدويات الرعابيب”، وهن البدينات الممتلئات، مستنتجا أن “حسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوب”، فالحسن ارتبط لديه بالوزن الزائد في محيط بدوي لا يعتمد على أدوات التجميل المستوردة من أسواق المدن البعيدة.
ورحم الله أحمد حمزة الذي كان يزن جمال حبيبته بالقنطار، بينما يؤكد الأطباء أن كل كيلوغرام زائد عن الوزن الطبيعي يعتبر بابا للمرض والمتاعب، ويحاول اليوم العالمي للسمنة أن يقنع البشر بذلك، عسى أن تخف أوزان البدناء بما يحقق لهم الصحة والهناء.