وزارة المرأة التونسية تطلق إستراتيجية لحماية مؤسسة الزواج

لم تفلح الإستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الأسرة التي وضعتها وزارة المرأة التونسية سنة 2019 في حماية الأسرة من التفكك وتقليل نسب الطلاق بسبب التحولات الاجتماعية المتسارعة، ما دعا الجهات المختصة إلى التفكير في العمل على تحديثها لمعالجة الإشكاليات المحيطة بمؤسسة الزواج، بما يخفض نسب الطلاق ويقلل من العنف ضد المرأة ويحمي الأطفال من وضعيات التهديد.
تونس - دفع ارتفاع قضايا الطلاق في تونس الجهات المختصة إلى التفكير في وضع إستراتيجية تحافظ على مؤسسة الزواج وتحمي الأسرة من التفكك.
وقالت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بالحاج موسى إن الوزارة بصدد العمل على إعداد إستراتيجية وطنية جديدة حول الأسرة في أفق 2030، مؤكدة وجود جملة من المؤشرات المفزعة والتحديات الكبيرة المطروحة على مؤسسة الزواج والتي يجب فهم أسبابها ومعالجتها لحماية الأسرة من التفكك.
وأضافت بالحاج موسى في تصريح إعلامي خلال يوم دراسي بعنوان “مؤسسة الزواج في تونس: سبل الدعم والحماية” أن الوزارة وضعت سنة 2019 الإستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الأسرة، لكن التحولات والتغيرات التي ظهرت على المجتمع التونسي فرضت التفكير في العمل على تحديثها لمعالجة الإشكاليات المحيطة بمؤسسة الزواج.
ولفتت الوزيرة إلى ارتفاع حالات الطلاق في تونس إلى 14706 أحكام قضائية خلال السنة القضائية الماضية (2021 – 2022)، مقابل 12598 حكما قضائيا بالطلاق في السنة القضائية 2020 – 2021، مستندة في ذلك إلى معطيات رسمية أعلنت عنها ممثلة وزارة العدل خلال اليوم الدراسي، الذي حضره أيضا ممثلون عن رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والديوان الوطني للأسرة والعمران البشري وعدد من الباحثين الاجتماعيين.
الحياة الزوجيّة لا تخلو من المشاكل الاجتماعيّة المتمثّلة في تعارض سلوك الزوجين حول أساليب تنشئة الأطفال
كما كشفت وزيرة الأسرة عن تسجيل مكاتب حماية الطفولة أكثر من 20 ألف إشعار حول وضعيات الطفولة المهددة وذلك من يناير إلى أكتوبر 2023، إضافة إلى تسجيل أكثر من 12 ألف إشعار بالعنف ضد المرأة عن طريق الخط الأخضر 1899.
وقالت “كل هذه المؤشرات المفزعة تكشف عمق التحديات الكبيرة المطروحة على مؤسسة الزواج مما ينبغي المزيد من تسليط الضوء عليها لفهم أسبابها وإيجاد حلول لها”، موضحة أن اليوم الدراسي حول مؤسسة الزواج ستتلوه أيام دراسية أخرى لفتح الباب النقاش حول الإشكاليات التي تعرفها الأسرة.
وشددت وزيرة الأسرة على ضرورة الانطلاق في معالجة الإشكاليات المحيطة بمؤسسة الزواج باعتبار أن الزواج الناجح والمستقر والقائم على الاحترام المتبادل والاعتراف المتبادل والحوار والتعاون والشراكة هو الضامن لأسرة متوازنة ومستقرة ومجتمع متماسك، وفق ما أكدته.
وقالت إن الوزارة عملت على دعم حماية الأسرة ضمن مقاربة اجتماعية، وذلك عبر برنامج التمكين الاجتماعي للأسر الذي شمل 18 محافظة تونسية واستهدف 68 أسرة، مبينة أنه يقوم على نشر الوعي في مجال نبذ العنف وفي مجال التأهيل على الزواج وفي الوقاية من أشكال التطرف والعنف وغيرها.
وأكدت وزيرة الأسرة الحرص على العمل أكثر على الاتصال الاجتماعي للمزيد من التوعية بأهمية التماسك الأسرى والتربية الوالدية، مشيرة إلى وجود خطة اتصالية من خلال الومضات التوعوية والتثقيف وتوظيف أدوات الاتصال بهدف تغيير العقليات والسلوكيات حماية للأسرة من التفكك.
من جهتها أكدت منية الرقيق الباحثة في علم الاجتماع أنّ من الوظائف الأساسية لمؤسسة الأسرة هي المحافظة على التعديل داخل المجتمع رغم التحولات الاجتماعية والثقافية والتغيّرات الوجودية، معتبرة أنّ جوهر التوتّر الذي تعيشه العائلة يكمن في كيفيّة التوفيق بين دور الأسرة كمؤسسة اجتماعية تحافظ على الاندماج والتعديل وبناء فرد متماسك ومتوازن في الآن ذاته.
وأضافت في مداخلتها حول “مؤسسة الزواج وأهميتها في بناء أسرة متماسكة ومتوازنة” أنّ تربية الأبناء يجب أن تعتمد على قدرة الإنسان على التفكير والتعبير عن ذاته والقدرة على اختيار التوجيه المدرسي والشريك، موصية بضرورة مراعاة الصعوبات الحقيقيّة والتناقضات بين الثقافة الراسخة والتجديد المطلوب بعيدا عن الترسبات الاجتماعيّة والأفكار النمطيّة والتقليدية.
وفي مداخلتها حول “التفكك الأسري أسبابه وتداعياته” تطرقت سامية دولة قاضية أسرة درجة ثالثة إلى الأسباب التي تهدّد استقرار الأسرة والمتمثلة في الأسباب المتّصلة بالتنشئة الاجتماعية والظروف الاقتصاديٌة والحالة الصحية للجنسين.
وبينت استنادا إلى الإحصائية القضائية تداعيات التفكك الأسري على الأطفال المهدّدين والأطفال في نزاع مع القانون، حيث أشارت إلى أنّه في السنة القضائية 2020 – 2021 تعهّد قضاة الأسرة في كل المحاكم الابتدائية بـ2468 من الأطفال المهدّدين.
في حين استعرضت نرجس عمار المندوبة الجهوية للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري وأخصائية في علم الجنس، الركائز الأساسية لاستمرار الزواج وهي المشاركة والإعجاب والثقة والتواصل والحياة الجنسية، مبيّنة أبرز العوامل التي تؤثر في الحياة الجنسية على غرار التركيبة النفسية والتربية الجنسية والانتظارات من الشريك والاضطرابات الجنسية للطرفين وغيرها.
كما أشارت إلى كيفية التصرف إزاء الاضطرابات الجنسية التي يعيشها الطرفان وسبل التعهد بها من طرف الطبيب المختص في علم الجنس.
من جانبه أكّد الطاهر العارم الأستاذ في علم النفس والمندوب المساعد لحماية الطفولة بولاية سوسة في مداخلته حول “التّداعيات النفسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة للتوتّر والخلافات بين الأزواج وآثارها على الأطفال والأسر والمجتمع” أنّ الحياة الزوجيّة لا تخلو من المشاكل الاجتماعيّة المتمثّلة في تعارض الأنماط السلوكيّة للزوجين حول أساليب التنشئة الاجتماعيّة للأطفال وطرق اتخاذ القرارات ومعاملة الآخرين واختلاف القيم والعادات والتقاليد وفي المستوى الثقافي والتعليمي بالإضافة إلى سوء التصرّف في الموارد الماليّة للأسرة وعدم الإنفاق.
وأشار بالمناسبة إلى الآثار الاجتماعية على الزوجين والمتمثّلة في تهديد استقرار الأسرة وبروز مشاعر الكراهية والرغبة في الانفصال والابتعاد واستعمال القوة والعنف المادي والمعنويّ بالإضافة إلى عدم التركيز على تلبية الحاجيات الأساسيّة والعجز عن الإحاطة والتربية.
كما قدّم أبرز الآثار الاجتماعيّة للتوتّرات والخلافات العائليّة على الأبناء من شعور بعدم الأمان ومواجهة صعوبات مدرسيّة مما يؤدي إلى اختلال في التنشئة الاجتماعيّة للطفل وعدم قبوله للآخر وسرعة الانفعال والغضب.