ورقة الأمن حاضرة بقوة في تحركات الجزائر نحو تونس وليبيا

الجزائر- حضر الوضع الأمني بشكل لافت في الحركية التي تبديها الجزائر مع محيطها الإقليمي، والتي ترجمتها زيارة وزير الداخلية التونسي كمال الفقي إلى الجزائر، ثم جولة وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى تونس ثم ليبيا، مباشرة بعد قمة إيطاليا – أفريقيا، وهو ما يوحي بوجود هواجس كرستها معطيات أو معلومات عن تهديدات معينة تستهدف المنطقة، ولذلك يجري استباقها على نحو عال لدى حكومات المنطقة.
وترددت مفردات مستعملة مثل “أمن تونس من أمن الجزائر”، و”أمن الجزائر من أمن تونس”، ونفس الشيء بالنسبة إلى ليبيا والجزائر، وهو خطاب يحمل قلقا غير معلن، تكون التحولات التي عرفتها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة قد مهدت لأخطار مرتقبة، خاصة بعد إعلان حكام مالي الجدد طي صفحة اتفاق السلم والمصالحة الوطنية، مقابل استعداد الحركات الانفصالية الشمالية للعودة إلى العمل المسلح.
ويبدو أن الجزائر التي تتهدّدها أخطار أمنية بحكم موقعها الجغرافي مع دول الجنوب، في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، بصدد ضبط أوتارها مع دول الناحية الشرقية بعد وقوعها تحت تأثير لاعبين أقوياء بإمكانهم التحرك من الجنوب إلى الشرق، فإلى جانب مجموعة فاغنر المتواجدة في الساحل الأفريقي كما في ليبيا، هناك تواجد للمرتزقة الأتراك أيضا، وكذلك المنافسة الخليجية على النفوذ الإقليمي في ليبيا وتونس.
وحصل انقلاب واضح في المصالح الإستراتيجية نفذته موسكو وأنقرة على الدور الجزائري في الساحل بسبب دعمهما للنخب العسكرية الحاكمة خاصة في مالي، وتحولهما إلى قوى إسناد ودعم للحكام الجدد في باماكو، مما أكسبهم الجرأة على التمرد على الدور الجزائري التقليدي، ووضع المنطقة على فوهة بركان.
ويرى مراقبون لشؤون المنطقة أنه إذا كانت زيارة أحمد عطاف، إلى طرابلس بغرض خلط الأوراق على الروس والأتراك، وتثبيت علاقات أمنية تتميز بالهشاشة، ممّا أدى إلى عدم قدرة البلدين على فتح المعبر الحدودي المشترك بين غدامس وإليزي، فإن الموقع الجغرافي مع تونس يتيح للجزائريين أداء الدور الأمني الحصري فيها، وتحويله إلى مفتاح أساسي يتجاوز كل المفاتيح المالية والاقتصادية الأخرى التي قد يغري بها أيّ طرف التونسيين، خاصة وأن الأمن هو ورقة أساسية لهم من أجل استقطاب الوافدين في شكل اقتصادي أو سياحي.
وفي هذا الشأن أشاد وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، على هامش انعقاد أشغال الدورة الأولى للجنة الثنائية لترقية وتنمية المناطق الحدودية الجزائرية – التونسية، بـ”الدور الكبير الذي تقوم به الأسلاك الأمنية للبلدين ثمن دور الجيش الوطني الشعبي، وحرس الحدود والجمارك وباقي الأسلاك الأمنية المرابطة على الحدود، الواقفة في وجه المتربصين بأمن البلدين واستقرارهما وسلامة اقتصادهما”.
وأضاف “التنسيق الأمني بين البلدين هو أحد نقاط القوة التي نتشارك فيها، ولذلك ضروري أن يتم تعزيز التشاور والتنسيق الثنائي لمجابهة التحديات الأمنية وتداعياتها، لاسيما ظاهرتي الهجرة غير الشرعية والتهريب”.
◙ انقلاب في المصالح نفذته موسكو وأنقرة على الدور الجزائري في الساحل بسبب دعمهما للمجلس العسكري في مالي
وحسب محللين سياسيين فإن الجزائر المطالبة بتوفير الدعم المالي والاقتصادي لتونس المتخبطة منذ سنوات في ظروف صعبة لا تستطيع مجاراة المغريات التي يتيحها منافسون آخرون، وعلى رأسهم المستثمرون الخليجيون بحكم الفوارق المعروفة بينهما، فإنها تلوّح بأوراق أخرى تندرج في سياق الخارطة الجغرافية والجوار العميق، إلى جانب المساعدات الدورية في المجال المالي والاقتصادي.
وجاءت دورة اللجنة المشتركة لتنمية المناطق الحدودية لتؤكد نوايا توظيف الأوراق غير القابلة للمنافسة، وتم إطلاق مشاريع واعدة بإمكانها تعزيز العلاقات المميزة والنهوض بالحياة في الشريط الحدودي البالغ نحو ألف كيلومتر بين البلدين.
وتم الإعلان عن “إنشاء منظومة مشتركة للوقاية والإنذار المبكر والتدخل للحد من حرائق الغابات، والتعجيل باستكمال مشروع الدراسة حول تطوير المبادلات التجارية والاقتصادية عبر الحدود بين ولايتي الطارف وجندوبة، فضلا عن دراسة مشروع إطلاق شركة تونسية – جزائرية للمعارض تسهر على تنظيم عدد من المعارض سنويا على مستوى الولايات الحدودية، بغية المساهمة في إحداث حركية تجارية على طول الشريط الحدودي”.
اقرأ أيضا:
كما تم الاتفاق على “تكوين المتربصين الجزائريين في مجال السياحة والفندقة والصيد البحري على مستوى المدرسة السياحية بعين دراهم والمراكز التكوينية السياحية بطبرقة، إلى جانب التبادل في مجال التكوين بين ولايتي ورقلة وتطاوين في مجالات الطاقة والبترول من الجانب الجزائري، والخدمات والفندقة والسياحة من الجانب التونسي، وإعداد دراسات حول اعادة استغلال خط النقل البري الرابط بين تبسة ومدينة القصرين، وإعادة إحياء خط النقل الحديدي بين قسنطينة وحيدرة بتونس عبر تبسة، واستحداث منطقة أنشطة اقتصادية مشتركة بين ولايتي سوق أهراس والكاف”.
ولئن لم يتسرّب أيّ شيء عن مضمون الرسائل الخطية التي حملها أحمد عطاف، لكل من الرئيس قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، فإن الوزير الجزائري اكتفى بإطلاق رسائل تعميق الثقة في تونس وليبيا، ولو أن القواسم المشتركة بين الدول الثلاث والمصالح المشتركة تفتح المجال أمام بلورة أيّ مقاربة أو تصور، فإنه لا يستبعد أن تكون الخطة الإيطالية “ماتي” التي أعدتها لأفريقيا محور مشاورات بينها، خاصة وأن البلدان الثلاثة هي المعني الأول بقطاع كبير من الهجرة السرية.
واكتفى عطاف بالقول إن “العلاقات الجزائرية – التونسية تعيش حركية جد إيجابية، وإنها بلغت أشواطا نوعية في السنوات الأربع الأخيرة، وإن زيارته إلى تونس بصفته مبعوثا خاصا للرئيس عبدالمجيد تبون، تأتي في سياق حركية جد إيجابية تعيشها العلاقات الجزائرية – التونسية”.