ورطة الرفيق بوتين

مشكلة العملاء الروس، مثل أشقائهم العملاء الأميركيين، هي أنهم ينقلون تصورهم عن الحقيقة، وليس الحقيقة نفسها. ولا شك أنهم أقنعوا الرفيق بوتين بأنه عندما يقوم بغزو أوكرانيا فإن المواطنين الأوكرانيين سوف يستقبلون الدبابات الروسية بالزهور.
ما حصل هو أن المواطنين الأوكرانيين يستقبلون هذه الدبابات بقاذفات الصواريخ بدلا من الزهور.
وليس الرفيق بوتين هو أول من انخدع بعملائه. فقد انخدع من قبله كل الغزاة الآخرين الذين وجدوا أنفسهم يواجهون مقاومة مدنية تخرج لهم من بين الأصابع.
جوهر المشكلة لا يكمن في العجز عن معرفة الحقيقة، وإنما في الرغبة الجامحة بالانخداع بغيرها. وهو ما يعني أن اللوم لا يقع على العملاء أنفسهم، وإنما على من يصدقهم، ويبني تقديراته على انطباعات لا تحمل من الحقيقة أكثر مما يحمل المنخل من الماء.
كيف تحل هذه المشكلة؟ سأل الرفاق الروس أنفسهم ذات يوم وقد أصابهم الملل من تقارير عملائهم. فكان القرار بسيطا وحازما: لا تنقل الخبر إلا من مصادر أخرى.
تم تعميم هذا القرار على الجميع، وبشكل أخص على مراسلي الصحافة. حتى جاء يوم هطلت فيه أمطار غزيرة أغرقت شوارع لندن وأفرغتها من المارة. فدخل مراسل وكالة "تاس" للأنباء كابينة التلفون لينقل الخبر التالي “ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن أمطارا شديدة أغرقت شوارع لندن. وأن الزوابع الرعدية أدت إلى إخلاء الشوارع من المارة”.
هذا الخبر أصبح واحدا من دروس الصحافة في بريطانيا لتعليم الصحافيين كيف تنقل الخبر ومتى لا تكون بحاجة إلى مصادر أخرى.
ولكن ليس غباء المراسلين هو كل الورطة التي تورطها الرفيق بوتين. فهو لديه برلمان عميل، ومجلس اتحاد عميل، وحكومة عميلة، ودول مرتبطة بروسيا هي الأخرى عميلة. والكل يقول له: كييف سوف تغرق بالزهور.
وقد ظهر بعض هؤلاء على شاشات التلفزيون، قبل ليلتين من الغزو، ليقولوا له ما يريد أن يسمعه، لا ما يجول بخاطرهم هم، أو ما يعرفونه.
وهناك جانب سيكولوجي خفي في هذه الورطة يجعلها عملا مقصودا.
فالواقعون تحت ضغط الخوف من “الرفيق الأمين العام” يريدون له أن ينتحر بأفعاله، لأنهم لا يستطيعون أن يقتلوه، ولأنهم إذا قالوا له ما لا يرغب بسماعه، فقد يقتلهم هم أو يجردهم من مناصبهم وامتيازاتهم.
وهذا هو السبب الذي جعل الاتحاد السوفييتي ينهار. فقد كان يقوده أمين عام عبقري في كل شيء مثل بوتين، ولا يتخذ إلا القرار الصحيح، ولا يرسل قواته إلى الخارج إلا والنصر حليفه مسبقا.
آخر الرفاق العباقرة أرسل قواته إلى أفغانستان، فلما عادت بالهزيمة سقط الاتحاد السوفييتي من بعدها.
الرفيق بوتين أرسل قواته إلى أوكرانيا لاستعادة هذا البلد إلى “حضن” الحبيب القديم. ولكن أنباء أخرى هي التي وصلته. ولن يطول الوقت حتى يكتشف أن روسيا نفسها هي التي سوف تنهار بين يديه.
ورطة روسيا الدائمة هي أن زعيمها يعتمد في قراراته على عملاء حتى إذا أرادوا قول رأي آخر نقلوه من صحيفة الغارديان.