ورطة الحكومة المصرية بين رفع الدعم وتخفيض أسعار السلع

الرئيس المصري يوجّه الحكومة بتسعير رغيف الخبز الحر غير المدعوم للحد من ارتفاع ثمنه.
الأربعاء 2022/03/16
برامج حكومية مؤجلة لتهدئة سخونة الشارع

القاهرة - تزامنت الأزمة الروسية – الأوكرانية مع قرب حلول شهر رمضان وزادت أسعار الكثير من السلع في مصر، ما وضع الحكومة في ورطة بين استكمال خطتها لتنفيذ برنامجها لرفع الدعم عن السلع حتى النهاية وبين تقديمها بأسعار مخفضة لتجنب تداعيات الزيادة المتوقعة في الاستهلاك لدى غالبية البيوت خلال شهر رمضان.

وتجاهلت الحكومة خطتها لرفع الدعم، وتعمل على إنقاذ الموقف بضخ كميات كبيرة من السلع في الأسواق وقطع الطريق على تجار يستغلون الأزمة العالمية لرفع أسعار السلع وهو ما يحرج الحكومة التي اختارت التضحية (مؤقتا) ببرنامجها لرفع الدعم لحساب امتصاص غضب شعبي محتمل إذا واصلت الأسعار ارتفاعها.

وفي سياق التحكم في الأسعار، ذكر بيان للرئاسة المصرية الثلاثاء أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجّه الحكومة بتسعير رغيف الخبز الحر غير المدعوم للحد من ارتفاع ثمنه.

ويقول مراقبون إن الحكومة المصرية ستسعى لإظهار أن كل شيء موجود خاصة القمح لطمأنة الشارع المصري بأنها مستعدة لكل الطوارئ، لكنها لا تقدر مع ذلك على إزالة الشكوك.

وأفادت بيانات بأنه يجري تحميل نحو 30 ألف طن من القمح في فرنسا على متن سفينة متجهة إلى مصر، في ما وصفه تجار بأنه عملية بيع فرنسية نادرة إلى القطاع الخاص المصري.

وبالتوازي، انطلقت معارض “أهلا رمضان” بمحافظات مصرية مختلفة بعد أن قرّر مجلس الوزراء تقديم موعدها نحو عشرة أيام لتوفير السلع الغذائية بأسعار زهيدة.

ويقول حسن محمود، عامل مصري متزوج ولديه ثلاثة أطفال، إذا كانت الحكومة قادرة على توفير السلع بأسعار مخفّضة فهذا معناه أنها تعلم بوجود نسبة كبيرة من المواطنين يعانون من الغلاء الفاحش، فلماذا قررت رفع الدعم، وتساءل هل “ترتاح لطريقة ما تأخذه باليمين تعطيه بالشمال أم أن هناك أزمة في الإدارة يتحمل نتيجتها الفقراء”.

ويضيف لـ”العرب” بنبرة مشحونة بالحزن والسخرية “ما تقوم به الحكومة بشأن خفض الأسعار يعني أنها تدرك الخطورة التي يحملها الرفع الكامل للدعم على أمثالنا، فهل يتلذذ المسؤولون بإنهاكنا خلفهم وسعينا دائما نحو توفير قوت أولادنا”.

وتحمل السخرية التي تحدث بها حسن جانبا من الهموم التي يعيشها وغيره من المستنزفين لتوفير احتياجاتهم من السلع، والتي زادت مع اقتراب رمضان، فتناست الحكومة برامجها وما تفرضه خططها من رفع تام للدعم لتطفئ ظمأ شريحة كبيرة من الناس شعرت بالقلق من ارتفاع الأسعار بصورة تحرق جيوبهم وربما أرواحهم.

الحكومة تختار التضحية مؤقتا ببرنامجها لرفع الدعم لامتصاص غضب شعبي محتمل

وجرى تخصيص أجنحة بفروع السلاسل التجارية الكبرى والشركات الحكومية ومنافذ المجمّعات الاستهلاكية وفروع مشروع “جمعيتي” لطرح المنتجات بأسعار مخفضة بنسبة 30 في المئة، وتشمل السلع الغذائية ومنتجات رمضان المعروفة بالياميش (فواكه مجففة)، واللحوم والدواجن والزيت والأرز والسكر وغيرها.

وحثّت الحكومة القائمين على البرامج الاجتماعية التابعة لها والجمعيات الأهلية المستقلة على تسريع وتيرة تقديم المساعدات للفقراء وحفّزت رجال الأعمال على المزيد من التبرّعات كي توقف نزيف الزيادة في الأسعار، وهي تصورات تتعارض مع التوجهات العامة للإصلاح الاقتصادي وتسير في اتجاه معاكس لها.

ووجه الرئيس المصري بالتوسع في نشر ‏المعارض العامة وزيادة التخفيضات ليتمكن المواطن من الحصول ‏على سلعه، في إشارة تؤكد أهمية تجنب مضاربة يسعى بعض التجار للدخول فيها وإخفاء سلع مهمة ثم بيعها بأسعار مرتفعة.

ومن المتوقّع أن تصل الشركات المساهمة في المعارض إلى نحو 250 شركة، وسيقام في كل سلسلة تجارية ركن خاص تحت اسم ‏‏”أهلا رمضان” لتغطية ‏أكبر مساحة جغرافية في البلاد.

ويصل عدد الفروع ‏إلى حوالي ‏‏1300 منفذ إلى جانب عدد مماثل من المجمعات الاستهلاكية ‏و500 من منافذ “جمعيتي” ‏ومنافذ متحركة تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية تقدم سلعا متنوعة بأسعار مخفضة ازدهرت في الآونة الأخيرة ضمن الدور المجتمعي الذي تقومان به لتجميل صورتهما الإنسانية في الأوساط الشعبية.

وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الدولة تحاول إزاحة عبء الآثار الناجمة عن الأزمة الروسية – الأوكرانية على المواطنين قائلا “الناس تشتكي من سعر الدقيق الذي زاد 17 في المئة بمصر بسبب الأزمة في حين أنه زاد 47 في المئة بدول أخرى.. الدولة تحاول أن تستوعب جزءا كبيرا من التضخم في الموازنة”.

ويشير خبراء إلى أن استمرار الأزمة الراهنة سيزيد الضغوط الاقتصادية على الحكومة بما يؤثر سلبا على رغبتها في رفع الدعم عمّا تبقّى من سلع أساسية، مثل الخبز، والذي تأخر الاقتراب منه خوفا من التأثيرات الغامضة لخطوة من هذا النوع.

Thumbnail

ويؤكد الخبراء أن الحكومة اختارت تهدئة السخونة الحالية في الشارع بشتّى الطرق، وأقدمت على إجراءات قانونية ضد كل من يتلاعبون بالأسعار وأظهرت سلطتها كي لا تخرج الأمور عن السيطرة، وجاء التخفيض وزيادة منافذ البيع كحل مناسب في الوقت الراهن لمنع الازدحام وعدم خلط ما هو اقتصادي بما هو سياسي.

وتضخ الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين بمصر ما يقرب من 1200 سلعة مختلفة تتراوح بين السلع الغذائية واللحوم المجمدة واللحوم المصنعة والسلع غير الغذائية في أفرع المجمعات الاستهلاكية، فضلا عن ضخ السلع يوميًا لمخازن الجملة والبالغ عددها 1500 مخزن تقوم بتزويد المجمعات الاستهلاكية ومنافذ الصرف بالسلع الأساسية واحتياجات المواطنين.

وتكمن المشكلة في استمرار الأزمة الأوكرانية، فقد تستطيع الحكومة المصرية تدبير أحوالها لبضعة أشهر، لكن ماذا بعد ذلك، هل تتراجع عن تحركاتها في مجال رفع الدعم وتواصل خفض السلع، أم تسير في الاتجاه الأول وتتخلى عن الثاني؟

1