وحدة نقابية ضد حبس الأطباء تربك حسابات الحكومة المصرية

تواجه الحكومة والبرلمان في مصر ضغوطا نقابية لتعديل قانون المسؤولية الطبية، لاسيما في علاقة بحبس الأطباء، وتحاول الحكومة تلافي أي صدام مع أبناء القطاع، لما قد ينجر عن ذلك من تبعات هي في غنى عنها.
القاهرة - أبدت الحكومة المصرية مرونة في التمسك بحبس الأطباء، حال وقوع مضاعفات طبية تؤدي للوفاة، بعد تحذيرات حقوقية ونقابية من خطورة التصعيد، وتأثير ذلك على الوضع السياسي في البلاد، وإمكانية أن يتسبب قانون المسؤولية الطبية في ضرر بالغ للقطاع الصحي، إذا قرر الأطباء الإضراب العام.
ووافقت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب على تعديل نصوص الحبس في مشروع قانون المسؤولية الطبية بعد موافقة مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) بكامل نصوصه دون الاستجابة لمطالب الأطباء، وعلى رأسها إلغاء الحبس في بعض الأخطاء.
وتضامنت نقابتا المحامين والصحافيين مع نقابة الأطباء، ما وضع الحكومة في مأزق، لأن التوقيت السياسي لا يحتمل تشكيل معارضة من نقابات مهنية في ذروة بحث السلطة عن تأييد لخطواتها نحو تمرير قانون الإجراءات الجنائية وما يتضمنه من تعديل نصوص الحبس الاحتياطي دون منغصات.
وقالت أصوات معارضة إن الحكومة تحاول تحسين صورتها بتقييد الحبس الاحتياطي في قانون جنائي، مقابل التوسع فيه داخل تشريعات أخرى مدنية بشكل يثير الشكوك حول نواياها تجاه حقوق الإنسان، ما دفع نواب الأغلبية البرلمانية للاستجابة لمطالب الأطباء ومحاولة غلق تلك الثغرة.
وتسعى الحكومة نحو تبييض سجلها الحقوقي عبر إدخال تعديلات ملموسة على نصوص الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية المعروض أمام مجلس النواب، وترغب في إعادة تقديم نفسها بصورة إيجابية، حتى جاء قانون المسؤولية الطبية ليعيد النقاش السياسي حول نظرة الحكومة للحبس.
وأظهر تمسك مجلس الشيوخ بتمرير مشروع قانون المسؤولية الطبية، ويتضمن ثلاث مواد تتحدث عن حبس الأطباء، درجة تسرع الحكومة، لأنها أعدت القانون ولم تستمع جيدا لوجهة نظر نقابة الأطباء، ثم اضطرت للتراجع بحثا عن ترضيتهم.
وكشف نقاش نواب اللجنة الصحية في البرلمان، بحضور وزير الصحة، نائب رئيس الوزراء خالد عبدالغفار، أن الحكومة شعرت بخطورة الصدام مع الأطباء، حيث تعرض أسامة عبدالحي نقيب الأطباء إلى ضغوط من النواب ووزير الصحة لإلغاء الإجراءات التصعيدية ضد مشروع القانون.
واستند النواب، والوزير، إلى أن البرلمان استجاب لأكثر من 95 في المئة من مطالب الأطباء وحذف نصوص الحبس التي تم الاعتراض عليها، وليس هناك من داع لعقد جمعية عمومية طارئة للأطباء الجمعة (اليوم الجمعة)، للاعتراض على القانون، لأن الظرف السياسي في البلاد لا يحتمل التصعيد.
وحُذفت عقوبة الحبس من الخطأ الطبي، وتم الاكتفاء بعقوبة الغرامة فقط، واستمر الحبس في حالة الخطأ الجسيم الذي يكون بسبب الإهمال المتعمد، أو عدم قيام الطبيب بمسؤولياته بشكل يُلحق الأذى والوفاة للمريض، لكن نقابة الأطباء استمرت في دعوة أعضائها إلى الجمعية العمومية الطارئة.
وقال مصدر بنقابة الأطباء لـ”العرب” إن الضغط على مجلس النواب والسلطة مستمر إلى حين تضمين مادة صريحة في مشروع القانون تنص على عدم جواز الحبس الاحتياطي للأطباء في الأخطاء الطبية، لأنه حتى لو تم إلغاء هذا النص من قانون المسؤولية الطبية فقد يُحبس الطبيب بنصوص القانون العام.
وأوضح المصدر ذاته أن الحكومة رفضت إضافة هذا النص لمشروع قانون المسؤولية الطبية، ولذلك لم يتم إلغاء الجمعية العمومية الطارئة، رغم وجود ضغوط على النقابة، مؤكدا أن المشكلة الحقيقية تكمن في تعامل دوائر حكومية مع مطالب الأطباء “بنوع من الخشونة وتشعر أننا نتعمد لي ذراعها.”
وتوحي الاستجابة لبعض مطالب الأطباء بأن هناك ضوءا أخضر من دوائر عاقلة داخل السلطة لترضيتهم، تجنبا لتوحد النقابات المهنية بشكل يمكن توظيفه سياسيا. وأصبح لافتا، أن النقابات المهنية تتخذ موقفا موحدا لمواجهة كل استهداف تتعرض أي نقابة، وظهر ذلك في صدور بيان مشترك من نقابات المحامين والمهندسين والصحافيين أخيرا ضد أكبر ثلاثة معامل تحاليل طبية قامت برفع أسعار الخدمة على الصحافيين.
وتوحدت نقابات الصحافيين والمحامين والأطباء والمهندسين من قبل ضد قانون الإجراءات الجنائية بعد أن تضمن نصوصا تمس مهنة المحاماة، وتم تعديلها، وبعدها تكرر التضامن بين النقابات بسبب مواد تخص الصحافيين، ما أربك حسابات الحكومة التي اعتادت على عدم وجود كيانات أو أحزاب معارضة.
يرى مراقبون أن الحكومة أخطأت التقدير عندما تعاملت مع الأطباء دون اكتراث بأن النقابات المهنية كتلة معارضة، مهما تفرقت الأحزاب وفشلت في التوحد معا للوقوف ضد تمرير تشريعات متحفظ عليها، ما يعكس غياب الحنكة في تصرفات الحكومة.
◙ الحكومة المصرية أخطأت التقدير عندما تعاملت مع الأطباء دون اكتراث بأن النقابات المهنية كتلة معارضة
وأكد إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء سابقا أن الغضب في صفوف الأطباء يتصاعد لعدم تحصينهم كليّا من الحبس، ولا يزال مشروع القانون يتضمن عبارات فضفاضة قد تقودهم إلى السجن، من بينها “الخطأ الطبي الجسيم”، فمن يُحدد هذا الخطأ، وطبيعته؟ وبالتالي الحبس لم يُلغ كليا.
وأضاف لـ”العرب” أن الغرامة البديلة عن الحبس في بعض الحالات قاسية للغاية، فلا يُعقل أن تصل إلى مليون جنيه (نحو 20 الف دولار) في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة، ولذلك ستعقد الجمعية العمومية في موعدها (الجمعة)، ومن الخطأ التعامل مع الأطباء على أنهم يخوضون معركة بمفردهم، دون النظر لدعم باقي النقابات لهم.
ولدى دوائر حكومية هواجس سياسية من دخول البرلمان والحكومة في صدام مع نقابات لها جماهيرية، ما يصنع معارضة بعيدة عن القوى المدنية المعتادة التي أصبحت بلا قاعدة شعبية، لأن ذلك الصدام قد يتسبب في أزمة تثير منغصات.
ولأن توحد النقابات مرتبط بنصوص تتعلق بالحبس، لم يكن أمام الحكومة والبرلمان سوى تليين مواقفهما، فعدم الوصول إلى نقطة توافق مع الأطباء يتسبب في مشكلة معقدة حول تشريع آخر يرتبط بصميم حقوق الإنسان في ذروة تركيز القاهرة على تحسين سجلها الحقوقي كأولوية سياسية.
ويرتبط ضغط الحكومة ومجلس النواب على الأطباء لإلغاء الجمعية العمومية الطارئة بمخاوف تتعلق بالتفاف نسبة كبيرة من الأطباء خلف نقابتهم، ولن يمانع هؤلاء من اتخاذ إجراءات تصعيدية قد تجد دعما من نقابات أخرى في صورة احتجاجات.
ويصعب فصل تدخل دوائر رشيدة داخل السلطة بإعادة النظر في بعض نصوص الحبس بقانون المسؤولية الطبية عن وجود رغبة لعدم الوصول إلى نقطة يغلق فيها الحوار بين الحكومة ونقابات بها مئات الآلاف من الأعضاء يشكلون قوة ضغط كبيرة، يجب ترويضها قبل حلول ذكرى ثورة 25 يناير بعد أيام قليلة.