وجه آخر للتشكيلي الجزائري محمد خدة في معرض لأهم ملصقاته

معرض "محمد خدة من خلال الملصقة" يعطي للزائر فرصة لإعادة اكتشاف إبداعات هذا الفنان المميز حيث قدم عبر الملصقات وجها معاصرا لجزائر ما بعد الاستقلال.
الاثنين 2021/06/21
ملصقات فنية كل منها تحكي تاريخا كاملا

يعتبر الفنان التشكيلي الراحل محمد خدة من رموز الحداثة الفنية في الجزائر، حيث قدم تجربة جمع فيها بين مختلف الفنون مستلهما عناصرها من التراث الثقافي العريق في بلده، ليقدم تجربة فريدة من نوعها ساهمت في ترسيخ اسمه واحدا من مؤسسي الفن المعاصر في الجزائر التي تحتفي هذا العام بالذكرى الثلاثين لرحيله.

الجزائر- كشفت الاحتفالات بالذكرى الثلاثين لرحيل التشكيلي الجزائري محمد خدة عن وجه آخر من إبداعاته المتنوعة وهو فن الملصقات، وذلك بمناسبة المعرض التكريمي الذي افتتح يوم السبت برواق “سين آرت غاليري” بالجزائر العاصمة.

وتحتفي الجزائر هذا العام بالذكرى الثلاثين لرحيل الفنان الذي يعتبر من مؤسسي الحداثة التشكيلية في الجزائر، وذلك عبر فعاليات مختلفة من معارض ومؤلفات خاصة بمسيرته وغيرها من الندوات والفعاليات.

فن الملصقات

الفنان التشكيلي الراحل محمد خدة يعتبر من مؤسسي الحداثة التشكيلية في الجزائر

تحت عنوان “محمد خدة من خلال الملصقة” يعطي المعرض الجديد للزائر فرصة لاكتشاف أو إعادة اكتشاف إبداعات هذا الفنان المميز، حيث قدم عبر هذه الملصقات وجها معاصرا لجزائر ما بعد الاستقلال، كما تساير هذه الأعمال المعروضة أهم التظاهرات الاقتصادية والثقافية والفنية الكبرى التي عرفتها الجزائر آنذاك، مثل الثورة الزراعية والحركة النقابية وكذلك زخم الأعمال الإبداعية في شتى المجالات منها أعمال مسرحية خالدة لعبدالقادر علّولة وكاتب ياسين وغيرهما.

من خلال حوالي 40 ملصقة يعود هذا المعرض بالزوار إلى تلك الأجواء الحافلة بالإبداعات والأفكار والمشاريع الفنية، وذلك بفضل سحر ريشة الفنان التشكيلي الذي قدم فنا عصريا يحاكي تلك الحقبة التي كان فيها الفنان التشكيلي حاضرا وفاعلا في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية.

وتستعرض الملصقات أهم الأحداث التي ميزت أواخر الستينات وفترة السبعينات، مثل التظاهرات الكبرى وأيضا الملتقيات الوطنية والدولية في شتى المجالات.

وصرحت أرملة الفنان الكاتبة نجاة خدة في حفل افتتاح المعرض أن جانب الملصقات في أعمال الفنان الراحل يبقى غير معروف عند الجمهور، ويشكل توليفة بالنسبة إلى خدة بين “الدزاينر” وفن الرسم.

وأضافت أن محمد خدة كان يتميز بحبه للجمع بين الفنون واستشهدت على ذلك باستضافته في بيته كل أول سبت من الشهر المبدعين من الفنانين والكتاب والمفكرين. وكان من بين رواد هذه اللقاءات الروائي الراحل الطاهر وطار. وأوضحت بخصوص الملصقات أنها تبرز الرموز وأيضا الخط العربي الذي كان زوجها عاشقا لجمالياته.

وقامت خدة بنفسها بجمع واسترجاع هذه الملصقات المعروضة التي يصل عددها إلى نحو الأربعين كما أكدت، وهي تؤرخ لأحداث ذات أهمية بالغة. وذكرت بوجود ملصقات أخرى لخدة خارج الجزائر خاصة في فرنسا، حسب ما وصل إلى سمعها من بعض الأصدقاء، وهي تسعى لاسترجاعها. كما ذكّرت بحب الفنان للكتاب واهتمامه بالحرف وتقنياته.

من خلال حوالي 40 ملصقة يعود المعرض بالزوار إلى أجواء الفنان الحافلة بالإبداعات والأفكار والمشاريع الفنية

يظهر هذا المعرض الذي يتواصل إلى غاية 19 يوليو المقبل أن إبداعات الرجل كثيرة ومتنوعة، حيث مارس عدة فنون من بينها الأعمال المنجزة بالحبر، وكلها تستحق الاهتمام والعرض في أكثر من مناسبة.

وقام خدة طيلة مساره الثري بالإبداعات بإنجاز مجموعة من الملصقات الخاصة بأعمال مسرحية مثل مسرحية “بني كلبون” لولد عبدالرحمن كاكي سنة 1974 التي صمم أيضا ديكوراتها، واشتهر أيضا برسم أغلفة روايات كبار الكتاب الجزائريين أمثال رشيد بوجدرة إلى جانب اهتمامه بتصميم الأزياء والديكورات لمسرحيات جزائرية.

تجربة فريدة

ولد الرسام والنحات الجزائري محمد خدة في 14 مارس 1930 بمستغانم وتوفي في 4 مايو 1991 بالجزائر العاصمة عن عمر ناهز الـ61 سنة كرس خلالها تجربة فنية متنوعة المشارب جعلته في مصاف مؤسسي الفن التشكيلي الجزائري المعاصر وأيضا أحد أعمدة ما يسمى بـ”مدرسة الإشارة”. كما اشتغل كثيرا على الواقع والموروث الثقافي والحضاري الجزائري.

وفي إطار الاحتفاء بثلاثينية الراحل صرحت أرملته نجاة خدة بأنها بصدد إنجاز كتاب جديد يستعرض الإنجاز والمسار الفني الثري لزوجها الفنان التشكيلي محمد خدة، مؤكدة أنه سينشر قريبا في طبعة فاخرة بالتنسيق مع المتحف الوطني للفنون الجميلة، ويسطر أهم المحطات الفنية للفنان الذي استلهم مواضيع جل أعماله الفنية من عناصر الثقافة الجزائرية بمختلف مكوناتها وأبعادها الحضارية والجمالية.

وأشارت خدة المختصة في الأدب الجزائري باللغة الفرنسية إلى أن فكرة إنجاز المؤلف وهو الأول من نوعه بهذا الحجم ترجع إلى سنوات عديدة، حيث أرادت من خلاله أرشفة كل الأعمال الفنية التي أبدعها الفنان التشكيلي الراحل طيلة مشواره والحفاظ على ذاكرته الفنية وحمايتها وتقديم هذا الموروث الذي يبرز عناصر الهوية الثقافية الوطنية للجيل الجديد والباحثين.

وذكرت المتحدثة أن المؤلف الذي يقع في قرابة 400 صفحة بمثابة مرجع مهم للباحثين المختصين في المجال لمتابعة تطور المسار الفني لخدة، ويضم قرابة 500 عمل فني في مجالات الرسم بالألوان المائية والرموز والحروفية والجداريات والنحت والملصقات والكتابة وأعمالا تنتمي للفنون البيانية في مؤلف واحد وذلك لإعادة بناء تجربته الفريدة.

الملصقات تستعرض أهم الأحداث التي ميزت أواخر الستينات وفترة السبعينات

ويتضمن المؤلف أيضا ملصقات أحداث سياسية وثقافية هامة نظمت في الجزائر ما بين 1970 و1990 ومؤلفات قام برسم أغلفتها لكتّاب كبار إلى جانب ملصقات أعمال سينمائية كالفيلم الوثائقي “خدة الرمز والزيتونة” للمخرج جودت قسومة، وكذلك مجموعة من الكتب والمقالات التي تناولت أعماله.

وأكدت أن المؤلف الجديد سيساهم في إبراز تعدد أوجه الإبداع لدى الفنان محمد خدة وتقنياته سواء الأعمال التشكيلية والملصقات والنقش والنحت وإنجاز تصاميم على غرار مقام الشهداء بمدينة المسيلة وجداريات بمدينة سْعِيدة ومطار الملك خالد بالرياض بالسعودية وهو ما يعكس ثراء تجربته الفنية.

وكان خدة غيورا على التراث وسعى عبر إبداعاته لإبراز جوانب هامة من هذا الموروث خاصة فن الأرابيسك الذي استحوذ عليه الغربيون كما تؤكد أرملته التي تضيف بأنه عمل كفنان جزائري على “تطوير ثقافة جزائرية محضة وأجرى بحوثا في التقاليد الثقافية، ولم يقتصر على الجانب الفلكلوري”.

عرف هذا التشكيلي أيضا باهتمامه بالطلاسم والرموز الموجودة في الموروث الشعبي التي حاول فكها عن طريق الريشة والألوان، ما جعل أعماله تعتبر علامة فارقة في مسار الفن التشكيلي الجزائري المعاصر مع جيل من الرسامين الجزائريين، حيث نجح في إيجاد توليفة بين إرث الخط العربي والمدرسة التجريدية الغربية، كما اهتم أيضا بالعمارة الإسلامية والنحت.

وقد تناول الكثير من النقاد والصحافيين أعمال خدة الذي خصصت له مجموعة من الكتب والمقالات التي تناولت إنجازاته وشهادات من أصدقائه المقربين مثل بشير حاج علي وعبدالقادر علولة وغيرهما.

وتبقى أمنية عائلة محمد خدة بعد مضي ثلاثين سنة على رحيله هي تحويل مسكن وورشة الفنان إلى متحف خاص بأعماله كما عبرت عن ذلك أرملته في عدة مناسبات.

التشكيلي الجزائري محمد خدة قام طيلة مساره الثري بالإبداعات بإنجاز مجموعة من الملصقات الخاصة بأعمال مسرحية مثل مسرحية “بني كلبون” لولد عبدالرحمن كاكي سنة 1974 التي صمم أيضا ديكوراتها

 

14