وثيقة مسربة تنفي وجود قاتل هشام الهاشمي في السجن تهز العراق

دعوات إلى فتح تحقيق والكشف عن مصير القاتل الذي أعلنت وزارة العدل خلو سجونها منه، في وقتت تتزايد الشكوك في تهريبه أو محاولة ذلك.
الخميس 2023/03/30
هل أغلق ملف اغتيال الهاشمي نهائيا دون محاسبة القاتل

بغداد – أثارت وثيقة مسربة صادرة باسم وزير العدل العراقي خالد شواني تؤكد عدم وجود قاتل الخبير الأمني هشام الهاشمي، في سجونها وعدم امتلاكها أي سجلات أو قيود تتعلق به، ردود فعل وإدانات واسعة وسط دعوات إلى فتح تحقيق ومطالب بالكشف عن مصير الجاني وحسم الجدل.

وعزز تداول وثيقة مسربة من مجلس النواب العراقي الشكوك حول تهريب المتهم أحمد عويد الكناني، وهو ضابط اعترف بالتورط في اغتيال الهاشمي في يوليو 2020، وهو منتسب أمني في جهاز الشرطة العراقية، إضافة إلى عمله مع فصيل مسلح نافذ في بغداد، خصوصا بعد التأجيل المتكرر لمحاكمته.

وتشير الوثيقة الموقعة من قبل وزير العدل والصادرة في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي، ردا على استفسار نيابي بشأن المتهم، إلى أن الكناني غير موجود في سجون وزارة العدل العراقية، أو الأقسام الإصلاحية.

وفي اعتراف ضمني بصحة الوثيقة قال وزير العدل في تصريحات صحافية إن "الأقسام الإصلاحية التابعة لوزارة العدل يودع فيها المحكومون الصادر بحقهم أحكام الإدانة".

وأضاف "أما الموقوفون فيتم توقيفهم لدى الجهات التحقيقية وأن وزارة العدل لم تستلم الموما إليه المتهم بالقتل حتى الآن وعندما يتم تسليمنا إياه سيتم التعامل معه وفقًا للقانون".

وعلق النائب نداء حسن الكريطي حول تداعيات الوثيقة المتداولة قائلا إن المتهم غير موجود ضمن سجون وزارة العدل كونه غير محكوم لغاية الآن ويُعامل كـ"متهم" وليس "كمجرم"، لذا فإن مكان موقوفيته لدى سجون وزارة الداخلية.

وأضاف الكريطي "أرسلنا أربعة كتب لمكتب وزير الداخلية وبمواعيد مختلفة دون إجابة تُذكر عن مكان توقيف المتهم في خطوة تثير الشكوك حول وجود تحركات جديه لتبرئة المتهم في حال وجوده أساسًا".

ودعت عائلة الهاشمي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى التحقيق بملف "تهريب" القاتل من السجن، وقالت في بيان نقلته وكالات أنباء محلية "نشعر بالصدمة من الأنباء والتقارير التي تؤكد هروب المتهم الرئيسي في عملية اغتيال الهاشمي باعتراف واضح وصريح من وزير العدل".

وأشارت إلى أنه "إذا ما تأكد ذلك، فإن هذه جريمة أخرى تضاف إلى جريمة الاغتيال، بل هي أشد من الاغتيال، فالأول استهدف شخصية مؤثرة في الشارع العراقي أمنياً واجتماعياً، أما تهريب المجرم فهو يستهدف الدولة العراقية ويجعلها دولة من ورق لا تحمي أبناءها وغير قادرة على تحقيق العدالة"، داعية رئيس الوزراء إلى "فتح تحقيق فوري للتوصل إلى الحقائق ونشرها أمام الرأي العام".

كما دعت "المنظمات الأممية وممثلة الأمم المتحدة بالعراق جنين بلاسخارت إلى الضغط على الحكومة من أجل التوصل إلى المجرمين".

ومنذ أكثر من عامين فشل القضاء الحالي في عقد جلسة لمحاكمة قاتل الهاشمي على الرغم من إعلان الحكومة اعتقاله في وقت سابق، مما دفع الكثيرين للتساؤل حول صحة الأنباء المتداولة حول تهريب القاتل من السجن على يد الميليشيات.

وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، تساءل ناشطون ومدونون عن الملف، مستغربين استمرار تأجيل محاكمة القاتل، وقال الصحافي العراقي إياد الدليمي، في تغريدة له، "ما معنى أن يختفي قاتل الهاشمي؟ ما معنى ألا تعثر عليه وزارة العدل بين النزلاء؟ نموذج من العراق الديمقراطي جداً الذي بشّرتنا به أميركا قبل عشرين عاماً".

وتساءل الصحافي إياد الديلمي ما معنى أن يختفي قاتل الدكتور هشام الهاشمي؟ ما معنى ألا تعثر عليه وزارة العدل بين النزلاء؟ نموذج من #العراق الديمقراطي جداً الذي بشرتنا به أمريكا قبل عشرين عاماً.

وقال الصحافي العراقي محمد الكبيسي في تغريدة "كلنا نعلم أن قاتل هشام الهاشمي تم تهريبه منذ مدة طويلة خارج العراق، وعملية تأجيل المحاكمات كانت لكسب الوقت"، معتبراً أن "تسريب الوثيقة اليوم فيه رسالة مفادها أن ملف اغتيال الهاشمي أغلق نهائياً دون محاسبة الجاني ومن يقف خلفه".

وأضاف "كلنا نعلم أن قاتل هشام الهاشمي تم تهريبه منذ مدة طويلة خارج العراق، وعملية تأجيل المحاكمات كان لكسب الوقت".

وأكد أن "تسريب الوثيقة اليوم فيه رسالة مفادها: ملف اغتيال الهاشمي أغلق نهائيا دون محاسبة الجاني ومن يقف خلفه".

أما الباحث في الشأن السياسي العراقي شاهو القرداغي، فاعتبر أن "التأجيل المستمر للقضية من قبل القضاء والغموض حول المجرم يضع الكثير من علامات الاستفهام.. لماذا يخشى الجميع من المساس بقاتل الشهيد هشام الهاشمي؟ ولماذا بقيت القضية معلقة حتى اليوم؟ أين القاتل؟".

وأضاف "التأجيل المستمر للقضية من قبل القضاء والغموض حول المجرم يضع الكثير من علامات الاستفهام "، متسائلا "لماذا يخشى الجميع من المساس بقاتل الشهيد هشام_الهاشمي؟".

وأجل القضاء الحالي للمرة العاشرة على التوالي محاكمة قاتل الهاشمي، في ظل الحديث المتداول عن انصياع الأجهزة الحكومية والسلطة القضائية لتهديدات الميليشيات وكل من يحاول إدانة زعاماتها بالإرهاب.

وكشف مصدر قضائي في وقت سابق أن محاكمة قاتل الهاشمي تقرر تأجيلها للمرة العاشرة إلى السابع من مايو المقبل، بسبب تقديم طعن ثان وإرسال الدعوى إلى محكمة التمييز.

وعلى الرغم من ظهور القاتل في يوليو 2021 واعترافه بتنفيذ الجريمة خلال شهادة بثتها وزارة الداخلية الحالية، لكن لم تجر حتى الآن محاكمته وسط اتهامات لقوى سياسية بتعطيل المحاكمة، لاسيما وأن المتهم ينتمي إلى ميليشيا حزب الله الموالية لإيران.

ويظهر عجز الحكومة والقضاء الحالي في مواجهة الميليشيات ومن ينتمي لها جليًا في حادثة تصفية الهاشمي التي فشل القضاء الحالي من محاكمة المتهم في عملية اغتياله حتى اللحظة.

ففي عام 2021 تضاربت الأنباء بشأن إصدار محكمة في بغداد مذكرة لإلقاء القبض على المسؤولِ الأمني لكتائب حزب الله في البلاد حسين مؤنس فرج المعروف إعلاميًا بأبوعلي العسكري، في حين توعد رئيس الوزراء السابق في حينها مصطفى الكاظمي بملاحقة من يهددون العراقيين بالسلاح المنفلت.

وبحسب تقارير إعلامية، أصدرت المحكمة القرار وفق المادة الرابعة من قانون الإرهاب، ردًا على ما يبدو على تغريدة منسوبة للعسكري على تويتر عدت بمثابة تهديد لرئيس الحكومة في حينها.

ونفت ميليشيا الحشد الشعبي وقتها إقامة مديرية الأمن دعوى قضائية لدى الجهات المعنية على حسين مؤنس فرج أو شخص يكنى أبوعلي العسكري، ودعت وسائل الاعلام إلى ضرورة التعامل مع المصادر الرسمية في تناول هذه الأخبار والمعلومات في محاولة للملمة تسرب وثيقة إلقاء القبض.

وبحسب وثيقة متداولة فإن العسكري مطلوب على أساس شكوى مقدمة لمكتب أمن الحشد، وفق قانون مكافحة الإرهاب.

وبرز اسم العسكري بسبب تغريداته المتشددة والعنوان الذي يحمله بصفته "المسؤول الأمني" لميلشيا حزب الله، المعروفة بسريتها وابتعاد قادتها عن الإعلام.

ويتهم العسكري بالمسؤولية عن مقتل الهاشمي الذي كان أول من ربط بين حساب ابو علي العسكري واسم حسين مؤنس، وتصاعدت حدة الاتهامات الموجهة إليه بعد مقتل الهاشمي إلى حد اضطره لنفي تلك الاتهامات علنًا.

ومطلع العام الحالي قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن "الحكومة العراقية السابقة روجت لاعتقال القاتل المزعوم للمحلل الأمني المعروف هشام الهاشمي، لكن القضاة في القضية قاموا في مناسبات عديدة بتأجيل محاكمته".

وبدورها أكدت منظمة العفو الدولية على أن الإفلات من العقاب سمة سائدة في العراق بعد المئات من عمليات القتل غير المشروعة من قبل القوات الحكومية والميليشيات خلال الاحتجاجات في ثورة أكتوبر.

وشددت المنظمة على استمرار نهج الإفلات من العقاب في حكومة السوداني، أسوة بالحكومات السابقة في العراق.

ووفقًا للتقرير فإنه "ساد الإفلات من العقاب على المئات من عمليات القتل غير المشروعة خلال احتجاجات أكتوبر 2019 مع إحراز تقدم ضئيل في التحقيق مع الجناة المشتبه بهم، وتقاعست السلطات العراقية عن إعلان نتائج التحقيقات التي أجرتها اللجان التي شـُكـّلت في أعقاب الاحتجاجات للتحقيق في أعمال العنف التي شابت الاحتجاجات، فضلا عن عمليات القتل المستهدفة ومحاولات القتل التي جرت ضد عشرات النشطاء بين عامي 2019 و2021 واستمرت الجهات المسلحة في تهديد النشطاء، فضلا عن أقرباء المحتجين والنشطاء القتلى أو المختفين، بالقتل أو بتعريضهم للاختفاء، ما دفعهم إلى الاختباء أو الهروب إلى خارج البلاد".

واغتيل الهاشمي في السادس من يوليو عام 2020، أمام منزله بمنطقة زيونة في العاصمة بغداد، برصاص أشخاص على دراجة نارية، في حادث أثار ضجة بين الأوساط الشعبية ولقي صدى دوليًا.

وسبق أن طالب نواب بإجراءات علنية للمحاكمة الخاصة بالمتهم في قضية اغتيال الهاشمي، بعد الشكوك التي أثيرت إثر التأجيل المتكرر لمحاكمة القاتل.

ووجهت رئيسة كتلة الجيل الجديد في البرلمان الحالي، سروة عبدالواحد، مطالبتها القضاء، بجعل محاكمة قاتل الهاشمي علنية، فضلًا عن بثها بوسائل الإعلام بشكل مباشر.

وجاءت المطالبة بكتاب رسمي وجّهته عبدالواحد إلى رئيس "مجلس القضاء الأعلى” في العراق، فائق زيدان، وأرجعت سبب مطالبتها تلك، إلى أن “الأمر لا يخص شخصًا واحدًا أو عائلة واحدة، بل يمس حرية الرأي".

وشدّدت عبدالواحد في تغريدة لها عبر حسابها في موقع تويتر، على أنه "يجب أن يطَلع الرأي العام على تفاصيل المحاكمة ولهذا أرسلنا كتابا إلى القضاء وننتظر الاستجابة".