وثائق سرية تكشف احتجاز نظام الأسد للصحافي الأميركي أوستن تايس

الملفات الاستخباراتية تُعَدّ أوّل دليل يظهر على السطح بخصوص احتجاز الصحافي تايس في سوريا.
الأربعاء 2025/06/04
الحقيقة الغائبة

دمشق - كشف تحقيق استقصائي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية ضمن سلسلة بودكاست على راديو 4 عن وثائق استخباراتية تثبت احتجاز الصحافي الأميركي أوستن تايس لدى جهاز أمني تابع للنظام السوري السابق قرب دمشق.

وأكّدت ملفات استخباراتية سريّة للغاية أن تايس كان مسجونا من قِبَل نظام بشار الأسد، وهو ما أكّده أيضا مسؤولون سوريون سابقون.

وكانت الحكومة الأميركية قد صرحت بأنها تعتقد أنّ تايس خضع للاحتجاز بأيدي نظام الأسد، لكن هذا النظام كان ينفي ذلك دائما، ولم يكنْ هناك شيء معلوم بشأن ظروف احتجاز تايس.

لكن الآن بات معلوما ما حدث للصحافي تايس بعد اختطافه، لاسيما بعد الاطّلاع على الملفّات الاستخباراتية -فضلاً عن شهادات العديد من مسؤولي النظام السابق في سوريا.

وكان أوستن تايس قد اختفى في مكان قريب من العاصمة السورية دمشق، في أغسطس 2012، بعد أيام معدودة من عيد ميلاده الحادي والثلاثين.

وبعد مرور سبعة أسابيع ظهر تايس في مقطع فيديو عبر الإنترنت معصوبَ العينين ومقيّدَ اليدين، حيث أُجبِرَ على إعلان إسلامه بين أيدي رجال مسلّحين.

على أن الانطباع الذي ساد هو أنّ تايس تعرّض للاختطاف بأيدي جماعة جهادية، وسرعان ما رأى محللون ومسؤولون أميركيون أن المشهد “جرى إعداده وتمثيله.”

الحكومة الأميركية صرحت بأنها تعتقد أنّ تايس خضع للاحتجاز بأيدي نظام الأسد، لكن الأخير كان ينفي دائما

ولم تعلن جماعة أو حكومة مسؤوليتها عن اختفاء الصحافي تايس، ولم يُعلَم عنه شيء منذ ذلك الحين، ما غذّى التكهُّنات بخصوص مكان وجوده.

وتُعَدّ الملفات الاستخباراتية أوّل دليل يظهر على السطح بخصوص احتجاز الصحافي تايس في سوريا، منذ بدأت جهود البحث عنه بعد سقوط نظام الأسد في مطلع ديسمبر 2024.

وتتألّف الملفّات الموسومة باسم أوستن تايس من رسائل ومحادثات قامت بها فروعٌ مختلفة تابعة لجهاز الاستخبارات السورية. وأظهرتْ رسالة موسومة بعبارة “سرّي للغاية” أنّ الصحافي تايس كان معتقلاً في مركز للاحتجاز بالعاصمة السورية دمشق في عام 2012.

وأكدت مصادر إضافية أن مكان الاحتجاز كان “سجن الطاحونة”، كما أكّد ضابط كبير في الاستخبارات السورية أنّ تايس كان محتجزاً في دمشق بأيدي مجموعة شبه عسكرية.

وأصرّ نظام الأسد على إنكار أيّ معرفة له بمكان وجود تايس، وكشف التحقيق كذب هذا الادعاء.

وخلص إلى أن تايس كان قد أُلقي القبض عليه في منطقة داريا القريبة من دمشق، قبل أن تحتجزه جماعة شبه عسكرية تُدعى “قوات الدفاع الوطني” وهي معروفة بولائها للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

وأكد مسؤول سوري لـ”بي.بي.سي” أن الصحافي تايس ظلّ بأيدي هذه المجموعة حتى فبراير 2013 على أقلّ تقدير.

أوستن تايس اختفى في مكان قريب من العاصمة السورية دمشق، في أغسطس 2012، بعد أيام معدودة من عيد ميلاده الحادي والثلاثين

وفي ذلك الوقت عانى أوستن تايس من متاعب في المَعدة، وتلقّى علاجا مرّتين على الأقل على يد طبيب. وتُظهر تحاليل الدم أن تايس كان يعاني من عدوى فايروسية في ذلك الوقت.

وقال رجل، زارَ مقرّ احتجاز تايس، إنّ إدارة السجن كانت مهتمة بعلاج الصحافي الأميركي أكثر من بقية المحتجزين، ومع ذلك فقد بدا تايس حزيناً، وفارقتْ البسمةُ وجهَه.

وبشكل منفصل قال عضو في “قوات الدفاع الوطني” على اطلّاع وثيق بظروف احتجاز الصحافي تايس إن “قيمة أوستن كانت معروفة.”

وأضاف “كان مفهوما أنّ تايس ‘ورقة’ يمكن استخدامها في مفاوضات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.”

وأفادت تقارير بأن تايس حاول الهرب من مكان احتجازه، بالتسلُّل عبر نافذة في المكان، لكن تمّ الإمساك به مجددا.

كما تفيد التقارير بأن الصحافي تايس خضع للاستجواب مرّتين على الأقلّ على يد ضابط في الاستخبارات السورية، وأن هذا جرى خلال الفترة ما بين 2012 و2013.

وعندما تمّتْ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024 قال الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن إنه يعتقد أن تايس لا يزال على قيد الحياة. وقبل ذلك بيومين قالت والدته ديبرا تايس إنّ “مصدرا مُهمّا” أكّد أنّ ابنها كان لا يزال حيا وأنه “يتلقى معاملة جيّدة.”

لكن عندما أُخليتْ السجون بعد سقوط نظام الأسد لم يظهر أيّ أثر لأوستن تايس على الإطلاق، كما أنّ مكان وجوده لا يزال غير معلوم.

وتعلَم عائلة تايس بوجود هذه الملفّات الاستخباراتية كما تعلَم السلطات الأميركية بوجودها، وكذلك مجموعة سورية تقوم بجمْع معلومات بشأن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد.

ويعتبر أوستن تايس من بين الرهائن الأميركيين الأطول احتجازا، وقد عكف والداه -ديبرا ومارك- على حملة لتسليط الضوء على اختفاء ابنهما.

5