وتيرة متسارعة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين المغرب وموريتانيا

المبادلات التجارية بين البلدين تعزز مكانة المغرب كمستثمر رئيسي في موريتانيا من خلال إستراتيجيات "رابح – رابح".
الجمعة 2025/01/03
مجال واسع للتبادل التجاري بين البلدين

الرباط - يسعى المغرب وموريتانيا إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة، وجسدا هذا الطموح عبر زيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين، بالإضافة إلى توقيع عدة اتفاقيات تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات متنوعة. ويأتي هذا في وقت يستمر فيه التوتر في بعض دول المنطقة، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، ما يجعل تعزيز التعاون بين المغرب وموريتانيا ذا أهمية إستراتيجية.

في هذا السياق، يرى أحمد النحوي، رئيس المنتدى المغربي – الموريتاني للصداقة والتعاون (غير حكومي)، أن البلدين يطمحان إلى التعاون في مشاريع اقتصادية كبيرة ستعود بالنفع عليهما، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تميزت بـ”وتيرة متسارعة وإيجابية في المبادلات الاقتصادية والتجارية بينهما.” ويعتبر الباحث الموريتاني أن نواكشوط تسعى أيضا من خلال علاقات متوازنة مع المغرب والجزائر إلى الحفاظ على مصالح المنطقة وتعزيز التعاون الإقليمي.

من جهة أخرى، أثارت زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب تكهنات حول إمكانية لعب نواكشوط دورًا للوساطة في التوترات بين الجزائر والرباط، خاصة أن الزيارة جاءت بعد أيام من زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى موريتانيا.

وكان التعاون التجاري بين البلدين قد شهد تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، لاسيما مع كون المغرب أكبر مستثمر أفريقي في موريتانيا. حيث يتواجد العديد من الشركات المغربية في قطاعات حيوية مثل البنوك، والاتصالات، والزراعة، والصناعات الغذائية، فضلاً عن الحضور في قطاعي البناء والطاقة.

وفي هذا السياق، أكد النحوي أن المبادلات التجارية بين البلدين شهدت “وتيرة متسارعة وإيجابية،” ما يعزز طموح المغرب لتعزيز مكانته كمستثمر رئيسي في موريتانيا من خلال إستراتيجيات “رابح – رابح” لكلا الطرفين. وكان المنتدى الاقتصادي المغربي – الموريتاني، الذي عقد في نواكشوط في فبراير 2023، نقطة فارقة في هذا المجال، حيث شارك فيه أكثر من 300 من رجال الأعمال من البلدين في مختلف القطاعات.

ووفقًا لبيان صادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، سجل التبادل التجاري بين البلدين حوالي 300 مليون دولار في 2022، بزيادة نسبتها 58 في المئة مقارنة بعام 2020. ومن أبرز المشاريع التي يسعى المغرب وموريتانيا لتطويرها مشروع أنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب، عبر عدة دول منها موريتانيا، بهدف تلبية احتياجات السوق الأوروبية من الغاز.

أحمد النحوي: البلدان يطمحان للتعاون في مشاريع اقتصادية كبيرة ستعود بالنفع عليهما
أحمد النحوي: البلدان يطمحان للتعاون في مشاريع اقتصادية كبيرة ستعود بالنفع عليهما

ويقدر طول الأنبوب بنحو 5660 كيلومترًا، وسيعزز هذا المشروع التعاون بين البلدان المعنية، ويُعد خطوة إستراتيجية مهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية في المنطقة. وفي أواخر سنة 2016، تم الإعلان عن مشروع أنبوب الغاز، وذلك في إطار زيارة رسمية قام بها العاهل المغربي محمد السادس إلى نيجيريا. وسيمرّ الأنبوب ببنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، إضافة إلى غينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مشروع الأطلسي، الذي سيعزز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين. ويهدف إلى تقليل الاعتماد التقليدي على البحر المتوسط وتوسيع آفاق التعاون مع دول الساحل الأفريقي عبر المحيط الأطلسي.

وفي ديسمبر 2023، اتفق وزراء دول الساحل الأفريقي (مالي، بوركينافاسو، تشاد، النيجر، موريتانيا)، بمدينة مراكش المغربية، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل مبادرة دولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي.

وأشاد الباحث الموريتاني النحوي بتعاون البلدين الجارين واستعدادهما لإطلاق مشاريع من شأنها أن تعزز التبادل والتكامل بينهما. ورأى أن هذه المشاريع كمشروع الأطلسي وأنبوب الغاز ستسهم في تعزيز مكانة المغرب وموريتانيا على الصعيدين الإقليمي والدولي.

واعتبر أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب والتي تطرقت إلى المشروعين تعكس أهميتهما الإستراتيجية للبلدين والمنطقة ككل. جدير بالذكر، أن المشروعين المذكورين يواجهان بعض التحديات السياسية والأمنية، خاصة في ظل غياب الاستقرار ببعض دول المنطقة، وانتشار الجماعات المتطرفة، فضلا عن الانقلابات وغياب الاستقرار السياسي ببعض دول المنطقة.

كما يواجه المشروعان تحديا اقتصاديا، يتمثل في الكلفة المالية، والتي تتطلب انخراط دول كبرى من أجل التقليل من كلفتهما. ومنذ بداية العام الماضي، شهدت العلاقات بين المغرب وموريتانيا تبادلا متسارعا للزيارات الرسمية، تعكس التطور الإيجابي في المبادلات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.

ويؤكد النحوي أن هذه الزيارات تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون في مشاريع اقتصادية كبرى، وكذلك في تعميق العلاقات الإستراتيجية بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية. وأبرز النحوي أهمية زيارة الرئيس الموريتاني إلى المغرب، والتي جاءت في وقت “بالغ الأهمية” لتعزيز علاقات الثقة والتعاون بين الشعبين.

وأشار النحوي إلى أن هذه الزيارة تأتي “في إطار تعزيز علاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين، وأواصر الأخوة بين الشعبين الشقيقين، وفي سياق سيساهم في الدفع بالديناميكية الإيجابية التي تشهدها العلاقات بينهما على مدى السنوات الماضية، إضافة إلى تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية بين البلدين.” وقام الرئيس ولد الغزواني بزيارة خاصة للمغرب، في ديسمبر الماضي. ورغم طابعها الخاص المُعلن، تعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لرئيس موريتاني في السلطة إلى المغرب، منذ نحو عقدين ونصف العقد.

10