"والد الذباب" رعب ودراما نفسية معقدة ضحيتها طفل صغير

ينسحق الأفراد القاصرون تحت وطأة أخطاء الكبار الكارثية وهم يحاولون تسيير مفردات حياتهم باتجاهات تقترب من الفوضى والعبثية، وذلك ما تتبعه تداعيات شتى نشاهدها على الشاشات ونتابع ذلك الأذى والاضطراب النفسي الذي يلحق بالشخصيات العاجزة أمام طوفان من سلوكيات الكبار التي لا يستطيعون مقاومتها.
ينطبق ذلك على فيلم “والد الذباب” للمخرج بين تشارليس ايدوارد، الذي يقدم قصته في إطار أسرة صغيرة ولكنه سوف يحفر عميقا في يوميات تلك الأسرة محولا المشكلات الاجتماعية كانفصال الأزواج وما يترتب عن ذلك من تداعيات على الأبناء إلى كارثة نفسية وأجواء شديدة القتامة والأذى من العزلة والقلق والاكتئاب وصولا إلى الرعب وهو ما نجح المخرج في تطويره.
فالإشكالية تنطلق من قيام ريتشارد (الممثل نيكولاس توسي) بالانفصال عن زوجته (ساندرا أندريس) التي تعاني من عوارض محاولات انتحارية متكررة لتحل في محلها زوجة جديدة هي كارول (الممثلة كاميلا راثفورد) وهي امرأة أنانية غير مستعدة لتؤدي دور الأم البديلة للأم السابقة ومنشغلة بمشاهد التلفاز واستخدام جهاز ملقن في شكل ماسك يغطي الوجه ويتحاور معها.
دراما نفسية تقدم صورة الضحية ونزعات الأنانية في كل متشابك ما يلبث أن يتطور إلى نهايات قاسية
على الجهة الأخرى هنالك ضحيتان وهما الفتاة المراهقة دونا (الممثلة باج راث) وشقيقها الصغير ميكائيل (الممثل كيتون تيتلو) وهما اللذان سوف يدفعان تبعات تلك التركة والفوضى التي تضرب العائلة، وحيث تتوالى الأحداث فكلها تجتمع في إطار أقرب إلى البحث عن الذات في مقابل النزعات الأنانية.
الأسئلة الغامضة سوف تلاحق دونا وشقيقها وهي أسئلة مؤرقة تدفع دونا إلى ترك المنزل وتمضية وقتها في التسكع مع أصدقائها والسهر معهم، بينما يبقى ميكائيل هو الضحية وهو الحلقة الأضعف في هذه الدراما، وفي صراعه مع الكبار، وهي الإشكالية التي يبنى عليها هذا الفيلم، تتطور المشكلة النفسية إلى إحساس مطلق بالهلع ليتفاقم مع الاستخدام المكثف للمؤثرات الصورية والصوتية ويتحول إلى رعب حقيقي.
في المقابل تتجلى تلك العلاقة الإشكالية مع الأب الذي يمضي في علاقته السطحية مع أبنائه وانصرافه إلى عمله اليومي، في مقابل قطع الطريق أمام طليقته ومنع عودتها إلى ابنيها، وهو مدخل بدا تبسيطيا لكن المخرج نجح بشكل ملفت للنظر في استخدام الأجواء المضطربة السائدة وتطويرها إلى مساحة عريضة من الرعب احتلت أغلب مساحة النصف الثاني من الفيلم.
على أن اشتعال الإحساس بالقلق ثم الرعب والهلع الذي ما يلبث أن يتسرب إلى كارول التي سوف تتفاقم في رأسها أصوات غرباء يتواجدون في داخل المنزل وهو ذات الإحساس الذي ينتاب مايكل في أجواء شديدة القتامة، ونجح ذلك الطفل في التعبير عنها ببلاغة وعمق حتى لا تملك سوى التعاطف معه وقد بدا الخروج من ذلك المأزق مهمة شديدة الصعوبة.
يستخدم المخرج التخيلات واللاوعي في دراما نفسية مركبة وخاصة في علاقة ميكائيل بأمه وهو ركن آخر من أركان هذه الدراما لكن في موازاة ذلك لن ننتظر المزيد من الحوارات المتقطعة ولا المعلومات غير المكتملة في تلك الدراما، ولهذا تم التركيز على أفعال الشخصيات الرئيسية على أنها بعيدة عن التفاعل مع حقيقة الأزمة فالأب المنشغل بالهامش والعاجز عن الاقتراب من الحياة العميقة لأبنائه يقدم ركنا آخر من أركان تلك العلاقة المأزومة والتي ما تلبث أن تدخل في دوامة قاسية غير مسيطر عليها.
المكان شكل عنصرا إضافيا في تعميق هذه الدراما الفيلمية على الرغم من أن أغلب الأحداث لم تتعد محيط المنزل وهي نقطة تحسب للمعالجة الإخراجية والسيناريو في القدرة على استخلاص أحداث في إطار وحدة مكانية واحدة
ما بين الشخصيات شديدة السلبية والأنانية وهي تمارس حياتها اليومية المعتادة هنالك ما يثير كثيرا من التساؤلات من حيث كفاية الأحداث في هذا الفيلم لكي تتسع على مساحة فيلم روائي طويل بسبب محدودية التحولات الكبيرة والبقاء في دوامة من العلاقة بين الشخصيات.
واقعيا إن هذه الدراما النفسية تقدم صورة الضحية ونزعات الأنانية في كل متشابك ما يلبث أن يتطور إلى نهايات قاسية تتعلق بالفتاة وشقيقها الصغير وكأن الأحداث كانت تسير نحو معاقبة الأب شبه المنقطع عن ولديه وهي سلسلة دوافع درامية بالغة الأهمية كانت الشخصيات الرئيسية تتحرك من خلالها وهي تسعى للخروج من أزمتها.
ولنعد إلى التحولات في الدراما والبناء السردي وسوف نلحظ استخداما متقنا لدوافع الشخصيات وبحثها عن حلول تخرجها من الدائرة المحكمة التي وجدت نفسها وهي مطوقة ومحشورة في وسطها ومن دون إرادة منها.
في المقابل شكل عنصر المكان والجغرافيا المكانية عنصرا إضافيا في تعميق هذه الدراما الفيلمية على الرغم من أن أغلب الأحداث لم تتعد محيط المنزل وداخله وحوله وهي نقطة تحسب للمعالجة الإخراجية والسيناريو في القدرة على استخلاص أحداث وتحولات درامية في إطار وحدة مكانية واحدة كانت خلالها الشخصيات تعيش في وسط كابوس مكاني لا خروج منه.
بالإضافة إلى ذلك وفي ما يتعلق بشخصية ميكائيل فقد استخدمت شاشة التلفاز للمضي في دائرة الخوف التي ضربت ذلك الطفل وهو يحاول استرجاع الطمأنينة التي فقدها بفقدان أمه وجبروت الأب في منعه من أي تواصل معها مما فاقم من تراجيديا الشخصية وصراعاتها الداخلية القاسية.