واقع قطاع البناء في تركيا أسوأ مما هو معلن

إفلاس إحدى أكبر شركات الإنشاء يختزل حجم الأزمة العقارية، ومبيعات الوحدات السكنية الجديدة انخفضت بواقع 4.2 بالمئة.
الأربعاء 2018/05/02
آفاق ضبابية لقطاع مرتبك

يشكل إشهار إفلاس إحدى أكبر شركات الإنشاء في تركيا قمة جبل المشكلات التي يعاني منها قطاع البناء، وسط تأكيد البعض بأن تلك الأحداث بمثابة إشارات إنذار فقط، ومن المرجح أن تكون الحالة اليوم أسوأ بكثير مما هو معلن.

وتختزل شركة “إينانلر” للإنشاءات، التي أعلنت إفلاسها في مارس الماضي، تاركة خلفها المئات من الضحايا المتعاملين معها، الأزمة التي يمر بها القطاع برمته. ولم يأت إشهار الإفلاس نتيجة للفساد فقط، بل هناك سبب آخر يتلخص في إتباع هذه الشركة طرقا غير قانونية، ما وضع علامات استفهام كبيرة أمام بقية الشركات الأخرى.

وكانت إينانلر تقوم برهن مشروعاتها السكنية للبنوك مقابل الحصول على قروض لاستكمال البناء، وكانت تطرح الوحدات السكنية للبيع أثناء تنفيذ المشروع بأموال البنوك، بواسطة سندات خاصة.

وعندما تعرضت الشركة لمشكلات مادية، هرب صاحبها، مما وضع نحو ألف من أصحاب الوحدات السكنية في موقف صعب، بعدما قامت البنوك بالحجز على منازلهم، تحت زعم أنها موضوعة تحت الرهن، وأن القروض المسحوبة من البنوك لم يتم سدادها.

واضطر المشترون للدخول في سجال قانوني مع البنوك، في رحلة قد تستمر لأربع سنوات على الأقل لعدم حصولهم على سند ملكية رسمي من إينانلر.

750 ألف وحدة سكنية، بيعت منذ 2012، مهددة من البنوك المقرضة لشركات تخلفت عن السداد

ويتهدد ما يقرب من 750 ألف وحدة سكنية، بيعت في السنوات الخمس الأخيرة، نفس تلك المخاطر، ما فتح المجال لترويج الإشاعات بشأن تعرض 4 شركات للإفلاس هي الأخرى.

وتشير آخر الإحصاءات الرسمية، أن القطاع يضم 360 ألف شركة، 70 بالمئة منها تأسس في فترة حكم حزب العدالة والتنمية.

ومع هذا لم تسر الأمور على ما يرام خلال الفترة الأخيرة. فأينما تلتقِ أي مقاول، ممن يشكلون الركيزة الأساسية للقوة التصويتية والمالية للحزب الحاكم، تجده دائم الشكوى من تردي الأوضاع في هذا القطاع، بشكل لم يحدث من قبل.

ويرجع هؤلاء السبب لانخفاض الطلب، الذي أدى إلى انخفاض أسعار هذه الوحدات، بينما حافظت قيمة التكلفة وقيمة الفائدة على القروض التي حصلوا عليها، على ارتفاعهما.

ومع تزايد مخاطر إعلان الشركات، إفلاسها، مع حاجتها الشديدة للسيولة النقدية، صدر تصريح عن الرئيس الشرفي لجمعية العاملين في قطاع الإنشاءات، يشار أشجي أوغلو، مفاده أن نسبة 75 بالمئة من أصل 350 ألف شركة، باتت معرضة لخطر إشهار إفلاسها.

ولا يعني إفلاس هذه الشركات مجرد مغادرة 260 ألف شركة القطاع فقط، بل إن حدثا كهذا قد يتسبب في حدوث مشكلات ضخمة في القطاع المصرفي التركي، الذي يخصص نحو 128.4 مليون دولار لقروض البناء والإسكان، ما يعادل ربع إجمالي القروض البالغة 540 مليون دولار، التي يقدمها لعملائه.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة تكلفة البناء بنسبة 20 بالمئة في 2017، الذي شهد زيادة في مبيعات الوحدات السكنية الجديدة بلغت 660 ألف وحدة، تم تسجيل زيادة في بيع هذه الوحدات قدرها 11 بالمئة هذا العام.

وفي حين بلغ عدد الوحدات السكنية الجديدة، التي تم الانتهاء منها خلال السنوات الخمس الماضية 5.1 مليون وحدة، إلا أن رقم المبيعات البالغ 2.96 مليون لا يزال يشير إلى وجود مليوني منزل تقريبا في انتظار من يشتريه.

يشار أشجي أوغلو: 75 بالمئة من أصل 350 ألف شركة، معرضة لخطر إشهار إفلاسها
يشار أشجي أوغلو: 75 بالمئة من أصل 350 ألف شركة، معرضة لخطر إشهار إفلاسها

وتظهر الأرقام أن عدد الوحدات السكنية الجديدة، التي تم بيعها خلال الربع الأول من العام الجاري بلغ 138 ألفا، وبمقارنة هذا الرقم مع الفترة نفسها العام الماضي، يتضح أن عدد مبيعات الوحدات السكنية الجديدة في القطاع قد انخفض بنسبة 4.2 بالمئة.

وهذا يدلل على أن مبيعات الربع الأول من الأعوام السابقة، باستثناء العام الماضي، كانت تسجل مستوى جيدا من المبيعات.

ويعني هذا أيضا أن إجمالي مبيعات الوحدات السكنية الجديدة والقديمة قد انخفض، خلال العام الماضي، إلى مستوى أقل من 7 بالمئة، مقارنة بالمعدل السنوي الذي يتخطى 304 ألف وحدة سكنية سنويا.

وبتعبير آخر، إن البيانات الواردة من العاملين في قطاع الإنشاءات والبناء، ومن أخبار الشركات المتعثرة تشير، بكل وضوح إلى الوضع السيء، الذي آل إليه قطاع التشييد والبناء في تركيا.

وبمقارنة السجلات المصرفية ببيانات معهد الإحصاء التركي، يتضح أن الأزمة في القطاع ربما تكون أعمق بكثير من تصريح أو من بيان.

وتشير البيانات إلى بيع 90 ألف وحدة سكنية بقروض الرهن العقاري، في الفترة الواقعة بين شهري يناير ومارس من هذا العام، بانخفاض قدره 28.5 بالمئة مقارنة بنحو 125 ألف وحدة، تم بيعها في العام الماضي.

وتزيد أسعار الفائدة على المساكن في السوق عن 1.25 بالمئة، وسط تكهنات بأن يقوم البنك المركزي بزيادة هذه النسبة، بالتزامن مع الزيادة الأخيرة في أسعار الفائدة.

10