واقع الرهون العقارية ينشر الذعر في السوق البريطانية

تعمق التشنجات في سوق الرهن العقاري بالمملكة المتحدة آلام أصحاب المنازل والمقرضين جراء التكاليف الباهظة المنجرة عن معدلات الفائدة المرتفعة، وسط تنامي قلق أوساط القطاع والمحللين من تأثيرات سلبية قد تُدخل أحد أهم ركائز الاقتصاد في حالة ركود.
لندن – تواجه سوق الإسكان في بريطانيا عقبات بعد اصطدامها بأسوأ أزمة لنفقات المعيشة منذ جيل، مع الغموض الاقتصادي، وارتفاع تكلفة الاقتراض.
وتتزايد الضغوط على السوق مع القفزة الجديدة في فوائد التمويل العقاري، واندفاع مؤسسات الإقراض نحو سحب عروض الرهن العقاري المختلفة، في ظل ارتفاع العائد على السندات إلى أعلى مستوياته منذ 2008.
ويهدد موقع بيدلام، الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون جنيه إسترليني (1.9 تريليون دولار)، والذي تغذيه الاضطرابات في أسواق المال، بإحداث ركود متجدد في نشاط الإسكان والألم المالي لأصحاب المنازل ليعيد إلى الأذهان ما حصل في أواخر الثمانينات.
وأعاد المقرضون تسعير وسحب عروضهم مرارا في الأسابيع الأخيرة في تدافع لمواكبة تكاليف التمويل المرتفعة، مدفوعة بتوقعات برفع الفائدة من بنك إنجلترا المركزي، في الوقت الذي يكافح فيه التضخم المرتفع بعناد.
وليس فقط مشترو المنازل المحتملون والبائعون من يصيبهم القلق، ولكن أيضا المقرضون الحاليون هم الذين يواجهون زيادات مذهلة في السداد عند انتهاء صلاحية صفقاتهم المحددة المدة.
وقال أحد كبار المصرفيين لرويترز، لم تذكر هويته، إن “القلق عند مستوى مرتفع”، مشيرا إلى عدم الاستقرار في أسعار المنتجات وتوافرها مما جعل من الصعب على كل من المقرضين والمقترضين السداد، و”القلق الذي يسببه هذا يتسبب في أضرار أطول”.
وينتظر المستثمرون ليروا إلى أي مدى سيضر هذا بنشاط سوق الإسكان التي تعافت مطلع 2023 من اضطرابات الخريف الماضي، التي أثارتها الأجندة الاقتصادية “الميزانية المصغرة” لرئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.
وتتمتع سوق الإسكان بأهمية كبيرة في الاقتصاد البريطاني الذي يحركه الاستهلاك ويرتبط ارتباطا وثيقا بثقة المستهلك. ويأتي قطاع العقارات في البلاد ثانيا في أوروبا بعد ألمانيا بقيمة تقدر بأكثر من 250 مليار جنيه إسترليني (309.7 مليار دولار).
وأصبح بنك أتش.أس.بي.سي أحدث مقرض رئيسي يعلن عن تعديل في خط الرهن العقاري الخاص به، مع ارتفاع معدلات الفائدة بدءا من الخميس.
وقال البنك في مذكرة “نركز بشدة على دعم العملاء من خلال الضغوط الحالية وتوفير الوصول إلى صفقات جيدة. ومع ذلك، زادت تكلفة الأموال في الأيام الأخيرة، ومثل البنوك الأخرى، كان علينا أن نعكس ذلك في معدلات الرهن العقاري لدينا”.
وارتفع متوسط معدل الرهن العقاري على الصفقات الجديدة لمدة عامين الأربعاء الماضي إلى نحو 5.9 في المئة، وفقا لمزود بيانات العقارات مونيفاكتس، وهو الأعلى منذ ديسمبر الماضي.
وعند فائدة 6 في المئة، سيواجه مالكو المنازل نفس العبء المالي من السداد كما حدث في أواخر الثمانينات، رغم أن معدلات الرهن العقاري كانت حوالي 13 في المئة حينها، وفقًا لمحلل سوق الإسكان نيل هدسون، مؤسس شركة بيلت بلاس للاستشارات.
ويأخذ تحليل هدسون في الاعتبار حقيقة أن البريطانيين يقترضون مبالغ أكبر بكثير مقابل دخلهم وهي النسبة التي ارتفعت من اثنين في المئة في أواخر الثمانينات إلى حوالي 3.5 في المئة حاليا، بالإضافة إلى التغييرات الضريبية ومنتجات القروض.
250
مليار إسترليني قيمة سوق العقارات ببريطانيا، التي تحتل المركز الثاني أوروبيا بعد ألمانيا
وقال هدسون “يتطلب الأمر معدل رهن عقاري أقل بكثير لإيجاد نفس القدر من الضغوط المالية من حيث السداد كما فعل معدل الرهن العقاري المكون من رقمين في الفترات السابقة”.
والسؤال المطروح الآن هو كيف ستتغذى ضغوط سوق الرهن العقاري على الاقتصاد الحقيقي بعدما ارتفعت معدلات المقايضة لمدة عامين، وهي أحد المحددات الرئيسية لتكاليف الاقتراض العقاري، بمقدار 95 نقطة أساس خلال الشهرين الماضيين.
وتاريخيا، أدت الزيادات البالغة 85 نقطة أساس أو أكثر إلى انخفاضات سنوية كبيرة في بدء المساكن في الأرباع اللاحقة، كما حدث عندما ارتفعت معدلات المقايضة في 1989 و1994 و2008، وفقا لتحليل لرويترز.
وقال جيمي لينوكس مدير شركة السمسرة ديمورا موراغاغي إنه “لا توجد نهاية في الأفق” للمشكلة في سوق الرهن العقاري. وأضاف “هذه ليست الأخبار التي سيرغب مئات الآلاف من أصحاب المنازل في سماعها”.
وزادت الأسواق المالية بالكامل في سعر الفائدة إلى 5.75 من 4.5 في المئة الآن، على مسافة قريبة من 6 في المئة التي استخدمها المركزي العام الماضي في اختباره للضغط على المؤسسات المالية الكبرى وهي حقيقة لم يغب عنها التنفيذيون المصرفيون.
وأشار مسح أجرته رويترز لخبراء اقتصاديين نُشر الأربعاء الماضي إلى انخفاض بلغ 5 في المئة في وقت لاحق هذا العام، رغم أن البعض اعتقد أنه قد يرتفع.
ويقول كبار المصرفيين إنهم يريدون الإقراض خلال العاصفة، ويعيدون تسعير منتجات الرهن العقاري بأسرع ما يمكن للبقاء منفتحين على الأعمال. لكن يجب أن تتحرك أسعار المنتجات متزامنة مع منحنى المقايضة، والذي يعكس سعر السوق للأموال التي يقرضونها بعد ذلك، مع وضع هامش في الأعلى.
ولذلك يجب أن يتوقع المقترضون تقلبات في أسعار الرهن العقاري حتى تبدأ معدلات المقايضة في الانخفاض، كما يقول هؤلاء المصرفيون، ولا يمكن أن يكون هناك يقين بشأن متى قد يبدأ ذلك حتى يحقق صانعو السياسة سيطرة أكبر على التضخم.
وبينما تحتدم المعركة، يحتاج المقرضون أيضا إلى تكثيف العناية الواجبة لضمان قدرة المقترضين بشكل مريح على سداد القروض بمعدلات أعلى تكلفة، لتجنب الوقوع في لوائح حماية المستهلك وتقليل مخاطر التخلف عن سداد القروض في المستقبل.
ويؤكد بنك إنجلترا أن هذا ليس تكرارا للأزمة المالية قبل 15 عاما، حيث تتمتع البنوك اليوم برأسمال أفضل بكثير، وهو ما يعني من الناحية النظرية أنها تستطيع الحفاظ على عرض الائتمان مفتوحًا خلال الظروف الاقتصادية الصعبة.
وحتى الآن، أثبتت الأسر البريطانية أنها قادرة على الصمود بشكل مدهش في مواجهة الزيادات الحادة في أسعار السلع والارتفاع السريع في الفائدة التي أدت إلى زيادة تكلفة قروض الرهن العقاري وبطاقات الائتمان وغيرها من أشكال التمويل.
ويعزو معظم المصرفيين هذه القوة إلى المدخرات الكبيرة المتراكمة خلال عمليات الإغلاق الوبائي، ولكن مع استمرار التضخم عند مستويات عالية تاريخيا، يستخدم البريطانيون الائتمان مرة أخرى لدعم عادات الإنفاق على نمط الحياة مثل السفر والترفيه.
وقال فيليب شو كبير الاقتصاديين في إنفيستك لرويترز إن “الوضع يثبت أن عددا كبيرا من الأسر يواجه زيادة حادة في مدفوعات الرهن العقاري على مدار العام”. وأضاف “في المجمل، ما هو متوقع هو تباطؤ مادي في الإنفاق، ولهذا السبب نرى احتمالا في أن يسقط الاقتصاد في ركود معتدل”. وأجمع الخبراء في مسح رويترز على أن بريطانيا يجب أن تتجنب الركود، لكن مع نمو ضعيف بدلا من ذلك.