واقع البلديات في الأردن: ميزانيات تهدر على الرواتب

عمان - تتعالى أصوات في الأردن مطالبة الحكومة ولاسيما وزير الإدارة المحلية وليد المصري بضرورة إيلاء ملف البلديات الاهتمام المطلوب، مع توالي الشكاوى من سوء الخدمات المقدمة والبيروقراطية المفرطة.
ويقول نشطاء إن هناك حاجة ملحة لإصلاح منظومة الحكم المحلي والبلديات وإعادة النظر في تجربة اللامركزية، حيث لا تزال المعالجات الإدارية تتم بصفة فوقية، وهي بعيدة كل البعد عن الهدف المطلوب في النهوض بالواقع التنموي والخدماتي.
ويشكو المواطنون لاسيما في البلديات الواقعة في الأطراف من حالة من الإهمال وتدهور البنية التحتية، وسط حديث مسؤوليها عن غياب التوازن في إسناد الميزانيات بين البلديات في المركز ومناطقهم.
ويرى محللون أن الإشكال الحقيقي يكمن في غياب الموارد المالية، المخصصة للتنمية، فضلا عن تفشي الفساد والمحسوبية لاسيما في ما يتعلق بالتعيينات.
وكشف وزير الإدارة المحلية وليد المصري، مؤخرا، أن 75 في المئة من ميزانيات البلديات تخصص رواتب للموظفين.
وقال المصري، خلال زيارة غير معلنة لبلدية باب عمّان وبلدية جرش الكبرى ومركز الخدمات الحكومي الذي ما زال قيد الإنشاء، إن “نسبة الرواتب مرتفعة.”
وأوضح الوزير الأردني أن فتح وتعبيد الطرق الزراعية يشكل عبئا على كاهل البلديات، موضحا أن فتح الطرق الزراعية وتعبيدها في حاجة إلى قرابة 300 مليون دينار.
وأشار إلى أن رئيس الحكومة جعفر حسان عقد 4 اجتماعات لبحث سبل تسهيل ودعم البلديات. وأكد على أنه يجب على البلديات وضع خطة أو جدولة للديون المترتبة على المواطنين للبلديات لتستطيع البلديات استرداد ديونها لتنفيذ مشاريع تخدم التنمية.
وكانت وزارة الإدارة المحلية صرحت سابقا بأن “مديونية البلديات المستحقة لبنك تنمية المدن والقرى تبلغ نحو 65 مليون دينار، فيما بلغت قيمة الحسابات المكشوفة للبلديات لدى البنك ما يقارب الـ206 ملايين دينار، في وقت ارتفعت فيه قيمة المستحقات المالية المترتبة لها على المواطنين كذلك، إذ وصلت إلى 300 مليون.”
ودعا مدير عام مركز الحياة “راصد” عامر بني عامر في تصريحات لوسائل إعلام محلية “الحكومة للتعامل مع الإدارة المحلية بأنها قضية سيادية تخص أمن الأردن وبكافة مستوياته، سواء أكان على الصعيد الاقتصادي أم الاجتماعي، وتاليا إعطاؤها الأولوية القصوى في مواضيع الإنفاق والموارد.”
وقال بني عامر إن “الإدارة المحلية تعد أساس التنمية وبناء الاقتصاد، لذلك على الحكومة أن تنظر إلى البلديات بصورة مختلفة، دون اعتبارها قضية جانبية أو هامشية.”
ورأى بني عامر أن من الحلول المطروحة للتخفيف من مديونية البلديات “تجسير العلاقة مع الجهات المانحة، بحيث يتم التعامل معها برؤية واضحة تتعلق بالإدارة المحلية، بعيدا عن الاجتهادات، والحلول الجزئية،” موصيا بتشكيل فريق من الحكومة يتمتع بالكفاءة للتعامل مع تلك الجهات، وتحديد ملامح رؤية العمل معها، واستثمار العلاقة مع المجتمع الدولي لتقديم المزيد من الدعم.
الإشكال الحقيقي يكمن في غياب الموارد المالية المخصصة للتنمية، فضلا عن تفشي الفساد والمحسوبية لاسيما في ما يتعلق بالتعيينات
وشدد على أن “هنالك حاجة ملحة لإجراء تقييم واقعي وعلمي، وواف وشامل لحال مجالس البلديات والمحافظات بشكل خاص، ولتجربة الإدارة المحلية بصورة عامة، قبيل الحديث عن أيّ حلول.”
واعتبر بني عامر أن “سداد الحكومة لكافة الديون المترتبة على البلديات لن يكون بمثابة حل جذري، إذ أن المشكلة الرئيسة تكمن في الإدارة داخل هذه المؤسسات، التي لن يصلح حالها دون تعزيز الحاكمية.”
وأوضح “أن ضعف التحصيل المالي للبلديات سببه انعدام سيادة القانون، لذلك هنالك حاجة إلى إيجاد حلول تتسم بالديمومة.”
من جهته قال الأمين العام المساعد لوزارة الإدارة المحلية الأسبق مروان الفاعوري “إن مديونية البلديات ناجمة عن أزمات متراكمة للتعيينات العشوائية، التي أثقلت كاهلها بكوادر غير مؤهلة وبأعداد كبيرة باتت تعيق العمل البلدي.”
وأضاف “لا يقتصر الأمر على ذلك، إذ أنه لم يجر العمل على تطوير مشاريع يُمكن أن تساعد في تنمية البلديات، وتزيد من معدلاتها إيراداتها خلال الفترة الماضية، حيث وضعت خطط كثيرة لكن دون متابعة لها.”
وأعرب الفاعوري عن أمله في أن يتمكن المصري من تصحيح أوضاع البلديات قائلا في تصريح لصحيفة “الغد” المحلية، إنه وبعد “تسمية وزير جديد للإدارة المحلية، والذي يمتلك من الخبرات السابقة في الشؤون البلدية ما تجعله يدرك عمق الأزمة التي يعاني منها العمل البلدي، لذلك فالأولويات أمامه واضحة بشأن تخفيف الأعباء المالية.”
وقدم الفاعوري مقترحات للتعامل مع مديونية البلديات من بينها “التخفيف من المصروفات وعلى رأسها بند رواتب العاملين فيها، ومن ثم التوسع بمشاريع التحول نحو الطاقة المتجددة لإنارة الشوارع وغيرها، والترويج للأردن سياحيا لجذب مشروعات إنتاجية كبرى يمكن أن تنفذ في المناطق التابعة للبلديات.”
وأشار إلى “أن إيلاء قطاع الموظفين في البلديات العناية الخاصة من الأمور المهمة التي يجب أن توضع على سلم الأولويات، بحيث يتم إخضاعهم للتدريبات اللازمة لبناء قدراتهم، التي تساعد في انتقالهم من العمل العشوائي التقليدي إلى المهني الاحترافي.”
وشدد على أهمية ” المضي قدما بالتوسع في حوسبة العمل البلدي، مع تحفيز الرقابة الداخلية على البلديات، من الأمور التي تساعد في التخفيف من المديونية،” مؤكدا على “ضرورة منح البلديات صلاحيات أوسع ومساحة أكبر للإبداع والابتكار في العمل البلدي، بحيث لا تتحول وزارة الإدارة المحلية إلى دائرة تدير البلدية.”