واضع معايير الصحافة الإخبارية: الصحافيون سلبيون للغاية

الأكاديمي يوهان غالتونغ يرى أنَّ وسائل الإعلام أساءت فهم عمله، وأصبحت شديدة السلبية والإثارة.
الاثنين 2019/02/04
عواقب التغطيات الإعلامية السلبية كانت وخيمة

قال واضع معايير الصحافة يوهان غالتونغ الذي كان لسنوات يرفض الإدلاء بتصريحات للصحافيين، إذ كان يشعر بأن صناعة الأخبار أساءت تقديمه إن “عمله كان بمثابة تحذير وليس دليلا استلهمه الصحافيون جيلا بعد آخر لبث السلبية”.

لندن - أثارت سلبية الأخبار في السنوات الأخيرة جدلاً حول تأثيرها على النفسية العامة. وقد خلصت دراسات أكاديمية حديثة إلى أنَّ الأخبار المتشائمة تجعل الجماهير تشعر بالعجز، وتكون أقل احتمالاً للمشاركة في وضع حل.

ودرس الباحثون تأثير أنواع مختلفة من القصص الإخبارية البناءة على القراء. واحتوت القصص الإخبارية الأولى أخبارا كارثية دون حلول، فيما احتوت القصص الإخبارية الثانية نفس الأخبار الكارثية، لكن بصياغة جديدة مثيرة للعواطف الإيجابية.

وكشفت النتائج أن القصص التي تثير العواطف السلبية قللت النوايا لاتخاذ إجراءات لمعالجة القضايا، وأدت إلى تأثير سلبي. وعلى النقيض من ذلك، فإن القصص الإخبارية التي تحوي الحلول أدت إلى تأثير أكثر إيجابية ونوايا أعلى لاتخاذ إجراء إيجابي وبات ينظر إليها على أنها “صحافة شرعية”.

وأعرب المشاركون في الاستطلاع عن تفضيل أكبر للأخبار ذات الحل. واستنتج الباحثون أن الصحافة البناءة ستخدم المجتمع بشكل أفضل وبعبارة أخرى، فإن الجماهير التي تتلقى أخبارا سلبية مثيرة تشعر بالعجز وأقل احتمالا للمشاركة في حل المشاكل.

صناعة الأخبار العالمية التي تقوم على القصص البناءة تصلح العالم

وكان معهد رويترز لدراسة الصحافة بجامعة أوكسفورد أجرى دراسةً عام 2017 عن تراجع أعداد المشاهدين العالميين لمصادر الأخبار التقليدية. وأظهرت هذه الدراسة أنَّ 48 بالمئة من الناس الذين غادروا وسائل الإعلام الإخبارية فعلوا ذلك، لأنَّ للأخبار أثراً سلبياً في حالتهم المزاجية.

وقال 37 بالمئة إنهم توقفوا عن استهلاك الأخبار، لأنهم لا يثقون بالمحتوى، في حين قال 27 بالمئة إنهم توقفوا عن متابعة الأخبار، لأنه “لا شيء يمكننا فعله حيالها على كل حال”.

من جانبه، أكد الأكاديمي يوهان غالتونغ، الأستاذ الجامعي النرويجي الذي كان أول من حدد جوهر الصحافة الإخبارية، أنَّ وسائل الإعلام أساءت فهم عمله، وأصبحت شديدة السلبية والإثارة.

وقال، الأستاذ النرويجي الذي كتب بحثًا علميًا رئيسيًا قبل أكثر من 50 عامًا الذي أدرج مجموعة من العوامل بما في ذلك الصراع والآنية كعلامة مميزة للتقارير الإخبارية، قال إن عمله كان بمثابة تحذير وليس دليلاً.

وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن دراسة غالتونغ أدرجت، عام 1965، معايير الصحافة التي يبدو أنها تُشكِّل أساس التقارير الإخبارية، واكتشفت أنه على الرغم من أهمية عاملي الأهمية والحداثة، فإنَّ الإثارة والصراع كانا مهمَّين بالقدر ذاته. ومنذ ذلك الحين ودراسة غالتونغ هذه يُنظَر إليها على أنها المعيار الذهبي للصحافة الإخبارية.

لكن في مقابلة أجراها، قال غالتونغ إن تعريفاته كانت تهدف إلى إظهار كيف أن الأخبار كانت تخطئ. وشدد على أن ورقته قالت إنه إذا استمرت الأخبار في التعبير عن العالم بهذه الطريقة العدائية، فإن ذلك سيولد سلبية قصوى.

وأكد غالتونغ من منزله في جنوب إسبانيا “أنه سوء فهم كامل”. كان من المفترض أن يكون عملنا منذ أوائل الستينات من القرن الماضي بمثابة تحذير للعواقب المترتبة على طريقة تعامل وسائل الإعلام مع العالم. لكن صناعة الأخبار الغربية اعتقدت أنني كنت أصف الطريقة التي ينبغي أن تسير بها الأمور، لا وصف ما كان يجري”.

يوهان غالتونغ: التغطية الصحافية السلبية والمتحيزة تهمل جزءا كبيرا  من صورة العالم
يوهان غالتونغ: التغطية الصحافية السلبية والمتحيزة تهمل جزءا كبيرا  من صورة العالم

وقال غالتونغ، الذي ألقى خطاباً أمام مؤتمر الصحافة البناءة السنوي بجنيف في الـ18 من شهر يناير 2019 “كنت أقول، ما تفعلونه غير مكتمل. إن تغطيتكم تهمل جزءًا كبيرًا من صورة العالم”. لكنَّه قال إنَّ المحررين والصحافيين، لاسيما في الولايات المتحدة، فسّروا عمله على أنه “المعيار الذي يقوم من خلاله جيلٌ بعد جيل بتقديم العالم بانتقائية إلى الجمهور من خلال الأخبار”.

وقال هانز هنريك نوب، الأستاذ المساعد في معهد علم النفس في الدنمارك “إن وسائل الإعلام الآن مليئة بقصص البؤس. تسيطر السلبية على تدفق الأخبار. ولا يقتصر الخطر على أنَّ الناس سوف يتجاهلون وسائل الإعلام بوصفها مصادر للأخبار، وإنما سوف ينسحبون من النقاش العام”.

وكان غالتونغ قد توقع هذا الأمر في شهر مارس عام 1965، إذ نشر صحبة زميلته ماري هولمبو روج مقالاً بعنوان “هيكل الأخبار الأجنبية”، بمجلة أبحاث السلام. فحص الباحثان تغطية النزاعات الدولية في 4 صحف نرويجية، وأدرجا 12 معياراً بدت حاضرة من أجل اعتبار حدث ما جديراً بالنشر. وكان من بين أكثر هذه العوامل هيمنة “الإشارة إلى شيء سلبي”.

وحتى يومنا هذا تستشهد ويكيبيديا بمقال غالتونغ وروج، كأساس لكيفية بناء الأخبار.

وكما ذكر معهد رويترز لدراسة الصحافة بجامعة أكسفورد في عام 2013 فإن أكثر الأعمال التي تم الاستشهاد بها بشأن القيمة الإخبارية كانت أعمال غالتونغ وروج… فقد استخدم معظم الأبحاث منذ الستينات كنقطة بداية ويتم تدريس نتائج بحث الأكاديميين في كليات المدرسة والكتابة في جميع أنحاء العالم.

واختتمت هذه الورقة الأكاديمية بتحذير من التبعات على المجتمع لو استمرت المنظمات الإخبارية في الترويج للمواجهة والتوتر والإثارة بدلاً من التعاون والتعاطف.

وجاء في الورقة البحثية “إنَّ تبعات كل ذلك صورة للعالم لا تعطي الكثير من الاستقلال للأطراف، وإنما تراها بوصفها موجودة بالأساس من أجل المركز. سوف يجري التشديد على الصراع لا المصالحة”.

18